لم يحسن إلاَّ النصبُ، لأنّ بارداً صفةٌ. ولو قلت: ائتِنى بباردٍ كان قبيحا، ولو قلت: ائتِنى بتمرٍ كان حسنا، ألا ترى كيف قَبُحَ أن يَضَعَ الصَّفةَ موضعَ الاسم.
ومن ذلك قولُ العرب: ادْفَع الشرَّ ولو إصْبَعاً، كأَنه قال: ولو دفعتَه إصبعاً، ولو كان إصبعا. ولا يحسن أن تحملَه على ما يَرْفَعُ لأنكّ إن لم تَحمله على إضمارِ يكون ففعلُ المخاطب المذكور أولى وأقرب، فالرفعُ فى هذا وفى ائتنى بدابّة ولو حمار، بعيد، كأنه يقول: ولو يكون مما تأتينى به حمارٌ، ولو يكون مما تَدفع به إصبعٌ.
ومما يَنتصب على إضمار الفعل المستعمَل إظهارُه، أن ترى الرجلَ قد قَدِمَ من سفرٍ فتقولَ: خَيْرَ مَقْدَمٍ. أو يقولَ الرجلُ: رأيتُ فيما يرى النائمُ كذا وكذا، فتقول: خيراً وما شر، وخيراً لنا وشرًّا لعدوّنا. وإن شئت قلت: خيرُ مَقْدَمٍ، وخيرٌ لنا وشرٌّ لعدوّنا.
أمّا النَّصبُ فكأَنَّه بناه على قوله قَدِمْتُ، فقال: قَدِمْتَ خيرَ مَقْدَمٍ، وإن لم يُسَمَعْ منه هذا اللفظُ، فإنَّ قدومَه ورؤيتَه إيّاه بمنزلة قوله: قدمتُ. وكذلك إن قيل: قَدِم فلانٌ، وكذلك إذا قال: رأيتُ فيما يرى النائم كذا وكذا، فتقول: خيراً لنا وشرّا لعدوّنا. فإِذا نصبَ فعلى الفعل.
وأمّا الرفع فعلى أنه مبتدأ أو مبنيٌ على مبتدأ ولم يرد أن يحمله