لم يكن فيه ذلك المعنى، فهو عربىٌّ جيّد، كأَنه قال: عليك رأٍَسك وعليك الحائطَ، وكأنه قال: دَعِ امرأ ودع نفسَه؛ فليس يَنْقُضُ هذا ما أردتَ فى معنى مَعَ من الحديث.
ومثل ذلك: أَهْلَكَ والليلَ، كأَنّه قال: بادِرْ أهلَك قبل الليل، وإنَّما المعنى أن يحذَّره أن يُدرِكه الليلُ. والليلُ محذَّرٌ منه، كما كان الأسدُ محتفَظا منه.
ومن ذلك قولهم: مازِ رأسَك والسيفَ، كما تقول: رأسَك والحائطَ وهو يحذَّره، كأَنّه قال: اتقِ رأسَك والحائطَ.
وإنّما حذفوا الفعلَ فى هذه الأشياءِ حين ثَنَّوْا لكثرتها فى كلامهم، واستغناءً بما يرون من الحال، ولما جرى من الذكر، وصار المفعولُ الأوّلُ بدلاً من اللفظ بالفعل، حين صار عندهم مثلَ: إيّاك ولم يكن مثلَ: إيَّاك لو أَفردتَه، لأنه لم يَكثْر فى كلامهم كَثْرَةَ إيّاك، فشُبَّهتْ بإِيّاك حيث طال الكلامُ وكان كثيرا فى الكلام.
فلو قلت: نفسَك، أو رأسَك، أو الجِدارَ، كان إظهارُ الفعل جائزاً نحو قولك: اتّقِ رأسَك، واحفظْ نفسك، واتّقِ الجدارَ. فلمّا ثنّيتَ صار بمنزلة إيّاك، وإيّاك بدلٌ من اللفظ بالفعل، كما كانت المصادرُ كذلك، نحوَ: الحَذَرَ الحَذَرَ.
ومما جُعل بدلاً من اللفظ بالفعل قولهم: الحَذَرَ الحَذَرَ، والنَّجاءَ النَّجاءَ، وضَرْباً ضَرْباً. فإِنَّما انتَصب هذا على الْزَمِ الحَذَرَ، وعليك النجاءَ،