وإنَّما اختير الرفعُ لأنّ ما ذكرت فى هذا الباب أسماءٌ والأسماءُ لا تجرى مجرى المصادر. ألا تَرى أنَّك تقولُ: هو الرجلُ عِلْماً وفِقْهاً، ولا تقول: هو الرجلُ خَيْلاً وإبلاً. فلمّا قبح ذلك جعلوا ما بعده خبراً له، كأَنّهم قالوا: أَمّا العبيدُ فأنت فيهم أو أنت منهم ذو عَبيدٍ، أى لك من العبيد نَصيبٌ، كأَنَّك أردتَ أن تقول: أَمّا مِن العبيد أو أَمّا فى العبيد فأنت ذو عَبيدٍ. إلاَّ أنك أَخَّرتَ فى ومن وأضمرتَ فيهما أَسماءَهم.
وأَمَّا قولُه: أَمّا العبدُ فأنت ذو عبدٍ، فكأنه قال: أمّا فى العبدِ فأنت ذو عبدٍ، ولكنه أخَّرَ فِى وأَضمرِ فيهِ اسمَه كما فَعل ذلك فى العبيد، فلما قبح عندهم أ، يكون بمنزلة المصدر ولم يكن ممّا يجوز فيه عندهم ذلك حملوه على هذا، فِراراً من أن يُدْخِلوا فى المصدر ما ليس منه، كما فعلتْ تميمٌ ذلك فى العِلْم حين رفعوه. وكأنك قلت: أَمّا العبيدُ فهم لك، وأَمّا العبدُ فهو لك، لأنّك ذلك المعنى تُريدُ.
وسَمِعْنا من العرب من يقول: أَمّا ابنُ مُزَنيَّةٍ فأنا ابن مُزنيَّةٍ؛ كأَنه قال: أما ابنُ مُزنيّةٍ فأنا ذاك، جعل الآخر هو الأول كماكان قائلاً ذلك فى الألف واللام: أمّا ابنُ المُزنيَّةِ فأنا ابن المُزنيَّةِ. وإن شئت نصبتَه على الحال كما قلت: أَمَّا صَديقا فأنت صديقٌ وأمَّا صاحبا فأنت صاحبٌ.