خَلفَ وما أِشبهها للأماكن التى تَلى الأسماءَ من أَقطارها. على هذا جرتْ عندهم، والجَوْفُ والخارج عندهم بمنزلة الظهْرِ والبطن والرأٍس واليد، وصارتْ خلف وما أشبهها تَدخل على كلّ اسم فتصير أمكنةً تَلى الاسمَ من نواحيه وأقطاره، ومن أعلاه وأسفلِه، وتكونُ ظروفا كما وصفتُ لك، وتكون أسماءَ كقولك: هو ناحيةُ الدارِ إذا أردتَ الناحيةَ بعينها، وهو فى ناحيةِ الدار، فتصير بمنزلة قولك: هو فى بيتك وفى دارك.
ويدلُّك على أنَّ المجرورَ بمنزلة الاسم غيرِ الظَّرف أنّك تقول: زيدٌ وَسْطَ الدار وضربتُ وَسَطَه، وتقول: فى وَسَطِ الدار، فيصيرُ بمنزلة قولك: ضربتُ وَسَطَه مفتوحا مثلَه.
واعلم أنَّ الظروفَ بعضُها أَشَدُّ تمكّنا من بعضٍ فى الأسماءِ، نحوَ القُبْل والقَصد والنَّاحية. وأمّا الخَلف والأَمام والتَّحْت فهنّ أقلُّ استعمالاً فى الكلام أن تُجْعَل أسماءً. وقد جاءت على ذلك فى الكلام والأشعار.
فمن ذلك حرفانَ ذكرناهما في الباب الأول ثم لم نفسَّر معناهما، وهما صَدَدَكَ ومعناه القَصْد، وسقَبَكَ ومعناه القُرب، ومنه قول العرب: هو وَزْنَ الجبلِ أى ناحيةً منه، وهم زِنةَ الجبل أى حِذاءَه.
ومن ذلك قول العرب: هم قُرابَتك أى قُرْبَك، يعنى المكانَ.