للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنتَ مَكانُك من وائِلٍ ... مَكانُ القرادِ مِنِ أستِ الجَمَلْ

وإنما حسن الرفعُ ههنا لأنَّه جَعَل الآخِرَ هو الأوّلَ، كقولك: له رأسٌ رأسُ الحِمار. ولو جَعل الآخِرَ ظرفًا جاز، ولكنّ الشاعر أراد أن يشبَّهَ مكانَه بذلك المكان.

وأمَّا قولهم: دارى خَلْفَ دارك فرسَخاً، فانتَصب لأنَّ خَلْفَ خَبَرٌ للدار، وهو كلامٌ قد عَمِلَ بعضُه فى بعض واستَغنى، فلمَّا قال: دارى خلف دارك أَبْهَمَ، فلم يُدْرَ ما قدرُ ذاك، فقال: فرسَخاً وذِراعا ومِيلا، أراد أن يبيَّنَ. فيَعملُ هذا الكلامُ فى هذه الغايات بالنَّصب كما عَمل: له عِشْرون درهماً في الدرهم، كأن هذا الكلام شيء منَّونٌ يَعمل فيما ليس من اسمه ولا هو هو، كما كان: أفضلُهم رَجُلا، بتلك المنزلة.

وإنْ شئت قلت: دارى خلفَ دارك فرسخانِ، تُلْغِى خلفَ كما تُلغِى فيها إذا قلت: فيها زيدٌ قائمٌ.

وزعم يونسُ أنّ أبا عمرو كان يقول: دارى من خَلْفِ دارك فرسخانِ، فشبَّهه بقولك: دارُك منّى فرسخانِ، لأنَّ خلفَ ههنا اسمٌ، وجَعَل مِنْ فيها بمزلتها فى الاسم. وهذا مذهبٌ قوىٌّ.

وأما العربُ فتَجعلُه بمنزلة قولك: خَلْفَ، فتَنصبُ وتَرفعُ، لأنك تقول: أنت من خَلْفى، ومعناه أنت خَلْفى، ولكنّ الكلام حَذْف. ألاَ ترى أنَّك تقول: دارُك من خلفِ دارى، فيَستغنى الكلامُ.

وتقول: أنت منّى فرسخَينِ، أى أنت منّى ما دُمْنَا نَسيرُ فرسخَينِ، فيكون ظرفاً كما كان ما قبله مما شُبّه بالمكان.

<<  <  ج: ص:  >  >>