عنده مثلَه عندك فإنَّما ينتظر الخبر. فإذا قلت: حليما فقد أعلمتَه مثلَ ما علمتَ. فإذا قلتَ كان حليماً فإنَّما ينتِظُر أن تعرفه صاحب الصفة، فهو مبدوء به في الفعل وإنْ كان مؤخَّراً في اللفظ. فإن قلتَ: كان حليم أو رجلٌ فقد بدأْتَ بنكرةٍ، ولا يستقيم أن تُخبِرَ المخاطَبَ عن المنكور، وليس هذا بالذي يَنْزِلُ به المخاطَبُ منزلتَك في المعرفة، فكرهوا أن يَقْرَبوا بابَ لبْسِ.
وقد تقول: كان زيدٌ الطويلٌ منطلقاً، إذا خفت التباسَ الزيدَيْنِ، وتقول: أسفيها كانَ زيدٌ أم حليما، وأَرَجُلا كان زيدٌ أم صبيًّا، تجعلها لزيد، لأنه إنما ينبغي لك أن تَسْأَلَه عن خبرِ مَن هو معروفٌ عنده كما حدَّثته عن خبر من هو معروفٌ عندك فالمعروفُ هو المبدوءُ به.
ولا يبدأ بما يكون فيه اللبسُ، وهو النكرة. أَلا ترى أنَّك لو قلت: كان إنسان حليماً أو كان رجل منطلقاً، كنتَ تُلْبسُ، لأنَّه لا يُستنكَرُ أن يكونَ في الدنيا إنسانٌ هكذا، فكرهوا أن يَبْدَءوا بما فيه الَّلبس ويَجعلوا المعرفة خبراً لما يكون فيه هذا اللبسُ.
وقد يجوز في الشعر وفي ضعْفٍ من الكلام. حَمَلَهم على ذلك أنه فِعْلٌ بمنزلة ضَرَبَ، وأنّه قد يُعلَم إذا ذكرتَ زيداً وجعلته خبرا أنه صاحبُ الصَّفة على ضعفٍ من الكلام، وذلك قول خِداش بن زُهير:
فإنّكَ لا تُبالي بعد حَوْلٍ ... أَظَبْىٌ كان أُمك أم حِمارُ