حد الصحيح الذي تقدم أجمله هنا وحذف كلمة المسند لعدم الحاجة إليها، حتى ينتهي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني إن كان الخبر مرفوعاً، أو إلى الصحابي إن كان موقوفاً، أو من دونه إن كان مقطوعاً، ولا يكون شاذاً ولا مردوداً بأي سبب موجب للرد، ولا معللاً بعلةٍ قادحة؛ لأن من العلل ما ليس بقادح، يعني الاختلاف في الراوي مثلاً، إذا وجد راوي مهمل ولم نستطع تمييزه من بين من يشاركه في الاسم، أو وجد اختلاف هل هذا الحديث عن سفيان الثوري أو ابن عيينة، اختلفوا فيه على راويين، وهما ثقتان، هذه علة نعم، تدل على أن هذا الراوي ما ضبط من حدثه، لكن هي علة ليست بقادحة؛ لأنه أينما ذهب فهو على ثقة، ولذا لم يشترطوا مثل هذا، وقد يكون مشهوراً، مستفيضاً، يروى من طرق متعددة، قد يكون عزيزاً بأن يروى من طريقين، وقد يكون غريباً، قد يكون الحديث صحيحاً غريباً؛ إذا لم يأتِ إلا من طريق واحد، أو تفرد به راوٍ واحد، وليس تعدد الطرق شرط، ليس بشرط لقبول الخبر ولا لصحته، وليس بشرط للبخاري كما زعمه بعضهم.
ليس شرطاً للصحيح فاعلمِ ... وقيل شرط وهو قول الحاكمِ
الحاكم كلامه يومي إلى اشتراط التعدد في ناقل الأخبار، لكن كلامه مردود، تبعه على هذا جمع من أهل العلم، يعني لا بد أن يكون الخبر مروياً من طريقين فأكثر، في كلام البيهقي ما يفيده، قول أبي الحسين البصري من المعتزلة: ليس بغريب، وقول الكرماني الشارح يزعم أنه شرط البخاري في صحيحه، لكن ليس هذا بصحيح، أول حديث في الصحيح، وآخر حديث في الصحيح يرد هذا الكلام، فإن أول حديث، حديث (الأعمال بالنيات) غريب غرابة مطلقة، ومثله آخر حديث في الصحيح:((كلمتان خفيفتان على اللسان)) .. الخ، غريب أيضاً غرابة مطلقة، فهذان الحديثان وغيرهما من غرائب الصحيح ترد هذه المقالة.