على كل حال وجد الخلاف، ومنع الكتابة جمعٌ من الصحابة، ذكر المؤلف منهم تبعاً لابن الصلاح أنه قال:"ممن روينا عنه كراهة ذلك عمر -رضي الله عنه- وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو سعيد في جماعة آخرين من الصحابة والتابعين" ثم ذكر جماعة ممن أباحوه، فإذا أمن اللبس جازت الكتابة، منهم من يقول: كان النهي في أول الأمر ثم نسخ، ومنهم من أعل حديث أبي سعيد كالبخاري -رحمه الله تعالى-، وعلى كل حال حديث أبي سعيد صحيح ثابت في صحيح مسلم، فينهى عن الكتابة إذا خشي التباس غير القرآن به، ويؤذن بها إذا أمن اللبس، ويمنع وينهى عن الكتابة إذا خشي من الاعتماد عليها، وأهمل الحفظ، ولا شك أن الإذن في الكتابة والاعتماد على المكتوب صار له أثرٌ سلبي في الحفظ، فلما كان العرب أمةً أمية لا تقرأ ولا تحسب، كانوا يعتمدون على الحفظ، كانوا متميزين بالحفظ، وهذا شيءٌ مشاهد، الذي يكتب يعتمد على الكتابة، فتجده لا يحفظ مما كتب إلا الشيء القليل، نعم من كتب ليحفظ وتعاهد هذا المحفوظ، هذا المكتوب بالحفظ، وراجعه مراراً لا شك أنه يجمع بين الحسنين، أما من كتب واعتمد على الكتابة وأهمل الحفظ، فلا شك أن هذا مذموم؛ لأن الأصل في العلم ما حواه الصدر، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(٤٩) سورة العنكبوت] فالأصل الحفظ، ولذا نأخذ الحذر من بعض الدعاوى التي يرددها من يزعم أنه من رجال التربية والتعليم، حيث يقول: إن المعول على الفهم، والحفظ يبلد الذهن، هذا الكلام خطيرٌ جداً، وظهرت آثاره في المجتمع الإسلامي في منتصف القرن الماضي فما بعد، ما قبل هذه الدعاوى تجد، أو لا تكاد تجد طالب علم لا يحفظ القرآن، ولا تكاد تجد طالب علم يحفظ من السنة القدر الكافي، منهم المقل، ومنهم المستكثر، ويحفظون المتون، لكن بعد انتشار هذه الدعاوي، وتلقيها بالقبول بعد أن أمليت على الطلاب والمتعلمين، وقبلها من قبلها من رجال التعليم، صار لها الآثار السيئة في ضعف التحصيل في العلوم الشرعية.