وعلى كل حال الحفظ أمرٌ لا بد منه، كيف تستدل على مسألة أو على واقعة أو على نازلة وأنت لا تحفظ من النصوص شيئاً؟! لا يمكن، كان العلم عند المتعلمين الأوائل حتى ممن أدركناهم راسخ وثابت؛ لأنهم على الطريقة المتبعة عند أهل العلم، يحفظون القرآن، يحفظون القدر المحتاج إليه من السنة، يحفظ متن في كل علم من العلوم، ثم يقرؤون عليها الشروح، ويقرؤون على الشيوخ، ويوضحون لهم وينظرون ويمثلون وبهذا يحصلون، لكن شخص يحضر الدروس لا يحفظ شيئاً، هذا إن ثبت في ذهنه شيء فالقاعدة تقول: أنما أخذ بسرعة يذهب بسرعة، لا يبقى ولا يستقر، فالحفظ أمرٌ لا بد منه، ومن هنا جاءت الخشية في الصدر الأول من الاعتماد على الكتابة؛ لأن لها الأثر على الحفظ، لكن لما كثر المتعلمون، وكثر الداخلون في الإسلام، وكثر من يحتاج إلى الكتابة، ما كل الناس تسعفهم الحافظة لحفظ ما يحتاج إليه، أجمع العلماء على جواز الكتابة، ومع ذلكم نفع الله بها فحفظت السنة في الدواوين، مع أن الصدور لم تهمل، استمر الحفظ عند أهل العلم، ودونت الأحاديث في الصحف ليرجع إليها عند الحاجة، ويستفيد منها اللاحق، يستفيد اللاحق مما كتبه السابق، استمر الأمر على ذلك دهراً طويلاً وأهل العلم يكتبون ويحفظون إلى أن جاءت المطابع، فأنكرها أهل العلم في أول الأمر، واقتصرت الطباعة في بلاد المسلمين على الكتب غير الشرعية في أول الأمر، حتى صدرت الفتوى بجواز طباعة العلوم الشرعية، ولا شك أن مثل هذا أمرٌ محمود، لا يسارع الناس على أمرٍ وإن كان ظاهره المصلحة إلا بتوجيه من أهل العلم، وصار للطباعة الأثر السيئ في تحصيل كثيرٍ من