الناس، في أول الأمر طالب العلم إذا احتاج إلى كتاب يستعير هذا الكتاب إذا لم يكن عنده يستعيره ويحرص على قراءته وفهمه والعناية به، وقد يكتبه، وإذا كتبه فكأنه قرأه عشر مرات، معروف الكتابة فيها معاناة وفيها تعب، وهي ترسخ العلم وتثبته، تسامح الناس في هذا، واعتمدوا على المطبوعات، فصار الشخص من طلاب العلم، بل من أهل العلم من يقتني الكتاب المطبوع في عشر مجلدات، عشرين مجلد، فغاية ما هنالك أنه يقتني الكتاب ويرتاح باله، فيرصه في الدرج والدالوب، ولا يرجع إليه إلا عند الحاجة، ولذا لو تسأل أكثر المتعلمين كم قرأ؟ لخجل من هذا السؤال، اعتمدوا على أن الكتب موجودة عندهم يعرفون كيف يراجعون، فهم علماء وفقهاء بالقوة، لكن هل هذا يكفي للتحصيل؟ ما يكفي، فاعتمد الناس على الطباعة، وكانت الطباعة في أول الأمر الكتاب يعهد به إلى لجنة علمية تراجعه وتصححه وتتابع تصحيح الطباعة، صار الكتاب الكبير يحتاج إلى عشر سنوات للطباعة أو أكثر، فتح الباري قريب من ذلك، لسان العرب عشر سنوات أو أكثر وهكذا، ثم تتابع الناس على هذا الأمر حتى آل الأمر إلى قومٍ ممن يزاول الطباعة ممن لا خلاق لهم، بل كثيرٌ منهم غير مسلمين، ولذا لا يعتنون بالتصحيح ولا بالتصويب ولا بالمراجعة، وصاروا يجلبون الكتب بالألوف المؤلفة، ويزجون بها في الأسواق، مما أوجد حيرة لدى طلبة العلم كيف يختار؟ كيف ينتقي؟ ما الدار التي يعتمد عليها؟ ما المطبعة التي يستفاد منها؟ وكثرت المصنفات في الأسواق، ومعلومٌ أن مثل هذه الكثرة غير الرشيدة والمرشدة توجد حيرة كما قال ابن خلدون: إن كثرة التصانيف مشغلة عن التحصيل، وهذا ملموس، ما تدري ماذا تقتني؟ ما تدري ما .. ، إذا اقتنيت كيف تراجع؟ كيف تصحح؟ كثيرٌ من الكتب تطرق إليها التصحيف والتحريف، وأهل هذه المطابع همهم التجارة، وليس همهم إتقان العلم وضبطه وتحريره، والله المستعان.