على كل حال لا شك أن الحفظ نعمة، لكن قد لا يتيسر لكل الناس أن يحفظ كل ما يريد، فيعتمد على الكتابة، والكتابة نعمة لا بد من شكرها؛ لأنها تحفظ لنا العلم، لكن ينبغي إتماماً لهذا الشكر ألا نعتمد عليها، وألا نهمل مراجعتها، وإدامة النظر فيها، وفهمها، وحفظ ما يتيسر حفظه منها.
ثم جاءت الطباعة وهي أيضاً نعمة لمن استعملها واستغلها على وجهها، أما من أراد أن يجمع الكتب، ويكثر من الجمع ليكاثر هذا خاب وخسر، إذا كان القصد مجرد المكاثرة، والله المستعان.
ثم بعد الطباعة تجاوز الناس مرحلة الطباعة إلى هذه الآلات، وهذه الحواسب التي تسعفك في أي لحظة شئت، مجرد ما تضغط زر تحصل على ما تطلب وما تريد، تضغط رقم الآية فتقرأها مضبوطة متقنة وتسمعها مرتلة، وتحيلك إلى جميع ما تريده من التفاسير حول هذه الآية، تضغط حديث أو كلمة من حديث فتخرج لك هذه الآلة الحديث من عشرات الطرق، ترجمة راوي، تجيب لك ترجمته من عشرات الكتب، بيت من الشعر كذلك، وهكذا، تيسر الأمر، لكن ما الآثار المترتبة على هذا التيسير، العلم لا يطيقه إلا الفحول من الرجال، وليس بالأمر السهل الهين الذي يمكن تحصيله بأدنى شيء، إذا عرفنا النصوص الواردة في فضله، وفضل العلماء عرفنا أن هذا من متطلبات الجنة، والجنة حفت بالمكاره، نعم من أراد أن يستفيد من هذه الآلات ولا يعتمد عليها لا بأس يختبر ما حصله، يختبر ما وصل إليه من طرق ومن فوائد لا بأس، شخص يحتاج إلى تخريج حديث والوقت ضاق عليه، خطيب وإلا معلم يحتاج إلى تخريجه قبل أن يلقي درسه ليتأكد ويطمأن، شخص خرج الحديث من جميع طرقه التي تيسرت له، ثم أراد أن يختبر عمله هل يوجد في هذه الآلة قدرٌ زائد على ما حصله بعد أن وقف؟ لا بأس، أما أن يعتمد عليها فهي لا تخرج طلاب علم، هي لا تخرج طالب علم.
على كل حال هي من النعم التي ينبغي أن تشكر، وأن يستفاد منها الفائدة التي تليق بها، هي لا تخرج طالب علم بحال، طالب العلم لا بد أن يسلك الطرق المتبعة عند أهل العلم، ثم بعد ذلكم يستفيد من هذه الروافد.