(١) حول قوله: « ... حج بمكة مرة أخرى» . قال الزرقاني في «شرح المواهب» ٣/ ١٠٥- ١٠٦: «قال الحافظ: غرض أبي إسحاق أن لقوله: بعد ما هاجر مفهوما، وأنه قبله حج؛ لكن قوله: أخرى يوهم أنه لم يحج قبل الهجرة، وهو بمكة إلا واحدة، وليس كذلك؛ بل حج قبلها مرارا؛ بل الذي لا ارتياب فيه أنه لم يترك الحج، وهو بمكة قط؛ لأن قريشا في الجاهلية لم يكونوا يتركون الحج، وإنما يتأخر من لم يكن بمكة، أو عاقه ضعف، وإذا كانوا وهم على غير دين يحرصون على إقامة الحج، ويرونه من مفاخرهم التي امتازوا بها على غيرهم من العرب؛ فكيف يظن به صلى الله عليه وسلّم أنه يتركه، وقد ثبت حديث «جبير بن مطعم» أنه رأه- عليه السلام- في الجاهلية واقفا بعرفة؛ وأنه من توفيق الله له. وثبت دعاؤه قبائل العرب إلى الإسلام ب «منى» ثلاث سنين متوالية ... فلا يقبل نفي ابن سعد أنه لم يحج بعد النبوة إلا حجة الوداع؛ لأن المثبت تقدم على النافي، خصوصا وقد صحبه دليل إثبات، ولم يصب النافي دليل نفيه. وقيل حج بمكة حجتين قبل الهجرة، وحجة بعدها أخرجه الترمذي- الحج رقم: ٧٤٣-: عن جابر بن عبد الله. وقال ابن عباس: - رضي الله عنه-: «حج- صلى الله عليه وسلّم- قبل أن يهاجر ثلاث حجج أخرجه ابن ماجة- المناسك رقم: ٣٠٦٧- والحاكم. قال الحافظ: وهو مبني على عدد وفود الأنصار إلى العقبة ب «منى» بعد الحج؛ فإنهم قدموا أولا فتواعدوا ثم ثانيا فبايعوا الأولى، ثم ثالثا فبايعوا الثانية، وهذا لا يقتضي نفي الحج قبل ذلك، فهذا بعد النبوة، وقبلها لا يعلمه إلا الله- أي: عدد حجه-. وقد أخرج الحاكم بسند صحيح إلى الثوري؛ أن النبي صلى الله عليه وسلّم حج قبل أن يهاجر حججا. وقال ابن الجوزي: حج حججا لا يعرف عددها» ... اه: المواهب اللدنية مع شرحها بتصرف. وانظر: صحيح ابن خزيمة ٤/ ٣٥٢ رقم: ٣٠٥٦. وانظر: جامع الترمذي ٣/ ١٧٨ رقم: ٨١٥. وانظر: فتح الباري لابن حجر ٨/ ١٠٤.