للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المحب الطبري: كان- عليه السلام- يحج قبل البعث وبعده، قبل نزول فرض الحج عليه، ولما أراد صلى الله عليه وسلّم الخروج لحجة الوداع أذن في الناس بالحج، وأمرهم بالخروج معه، فخرج صلى الله عليه وسلّم من المدينة لخمس ليال بقين من ذي القعدة «١» ، وكان خروجه بين الظهر والعصر، ودخل مكة صبح يوم الأحد رابع ذي الحجة. وحج معه في ذلك العام نحو سبعين ألفا، والله- تعالى- أعلم.

وبين حجة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلّم نيف وثمانون يوما «٢» . وهذا يرده قول من قال: إن


(١) حديث خروجه صلى الله عليه وسلّم من المدينة لخمس ليال ... الخ متفق عليه: من حديث عائشة- رضي الله عنها- أخرجه البخاري في صحيحه كتاب «الحج» رقم: ١٥٩٤، بلفظ: عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم لخمس من ذي القعدة لا نرى إلا الحج ... الخ» وانظر الحديث تحت أرقام: ١٦٠٥، ١٦٤١: عن عائشة- رضي الله عنها-. وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب «الحج» رقم: ٢١١٢. وحول وقت خروجه صلى الله عليه وسلّم خلاف نذكر فيه ما قاله صاحب «المواهب اللدنية وشارحها» ٣/ ١٠٥- ١٠٦٠ فنقول: ... «لخمس ليال من ذي الحجة، كما أخرجه البخاري عن ابن عباس، والشيخان، عن عائشة، وجزم ابن حزم بأن خروجه كان يوم الخميس، وفيه نظر؛ لأن أول ذي الحجة كان يوم الخميس قطعا؛ لما ثبت وتواتر أن وقوفه صلى الله عليه وسلّم ب «عرفة» كان يوم الجمعة؛ فتعين أن أول الشهر كان يوم الخميس، فلا يصح أن يكون خروجه يوم الجمعة لقولهما: «لخمس ليال بقين من ذي القعدة» فيبقى من ليلة السبت حتى ليلة الأربعاء خمس ليال؛ لكن يدفع هذا الظاهر أنه ثبت في الصحيحين عن أنس: «صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلّم الظهر بالمدينة أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، فدل قوله: «الظهر أربعا» على أن خروجهم لم يكن يوم الجمعة، فما بقى إلا أن يكون خروجهم يوم السبت ولا يشكل قولهما: أن الباقي خمس ليال. بأن الباقي أربع؛ لأنه يحمل قول من قال: «لخمس بقين» أي: أن كان الشهر ثلاثين فاتفق أن جاء تسعا وعشرين؛ فيكون يوم الخميس أول ذي الحجة بعد مضي أربع ليال لا خمس، وبها أي: بهذه المقالة. وفي الفتح: وبهذا- أي: المذكور من الجمل- تتفق الأخبار، هكذا جمع الحافظ ابن كثير بين الروايات، وقوى ابن كثير هذا الجمع بقول «جابر» - رضي الله عنه- وهو أحسن الصحابة سياقا لحديث حجة الوداع؛ فإنه ذكرها من حين خروجه صلى الله عليه وسلّم من المدينة إلى آخرها فهو أحفظ لها من غيره؛ أنه خرج لخمس بقين من القعدة، أو أربع، فتردده فيما بقي يؤيد ذلك الجمع، وصرح الواقدي: بأن خروجه صلى الله عليه وسلّم من المدينة إلى آخرها فهو أحفظ لها من غيره؛ أنه خرج لخمس بقين من القعدة، أو أربع، فتردده فيما بقى يؤيد ذلك الجمع. وصرح الواقدي: بأن خروجه صلى الله عليه وسلّم كان يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة، وهو ما يقوي الجمع أيضا ... » اه: المواهب. وانظر: «الطبقات» للإمام ابن سعد ٢/ ١٢٤.
(٢) عن المدة بين حجته صلى الله عليه وسلّم ووفاته ... قال القسطلاني في «المواهب اللدنية» ٨/ ٢٥٠ « ... وقيل: «عاش بعدها- أي: حجة-

<<  <   >  >>