بل هذا ينفي أن يوجد كتاب أصح من صحيح مسلم وكونه ينفي وجود الأصح لا ينفي وجود المساوي، ولذا لا يحسن أن ينسب إليه الجزم بالأصحية، إذا قلت: لا يوجد أعلم من زيد، هل معنى هذا أنه لا يوجد مساوي له؟ أنت تنفي وجود الأعلم لكنك في الوقت نفسه لا تنفي وجود المساوي له في العلم، وعلى هذا لا يحسن أن ينسب إليه الجزم بالأصحية، وهذا يتأيد بحكاية قول ثالث في المسألة، وهو أن الصحيحين في مرتبة واحدة من حيث الأصحية، هما سواء، لكن جماهير أهل العلم والذي يشهد له الواقع أن صحيح البخاري أشد، أقوى في الصحة، أقوى وهو الذي يؤيده الواقع ويشهد له، لا شك أن الإمام البخاري يتحرى، ولا يعني أننا إذا قلنا: إن صحيح البخاري أصح أن في مسلم أحاديث غير صحيحة، لا، هناك الصحيح وهناك الأصح، على أن مسلماً -رحمه الله تعالى- يسوق الحديث في موضع واحد بطرقه وأسانيده، فيجعل الحديث الذي تكلم فيه من بين هذه الأسانيد المذكورة يرتفع وينجبر الكلام فيه بما ذكر معه.
أول من صنف في الصحيحِ ... محمد وخص بالترجيحِ
ومسلم بعد وبعض الغرب مع ... أبي علي فضلوا ذا لو نفع
وهذه المفاضلة إجمالية، ولا تعني أن كل حديث في صحيح البخاري أصح من كل حديث في صحيح مسلم، بل إجمالاً الأحاديث المحكوم عليها بأنها أصح في صحيح البخاري أكثر من الأحاديث الأصح في صحيح مسلم، ثم يلي ما خرجه مسلم في صحيحه عرفنا أن الدرجة الأولى المتفق عليه يعني ما خرجه الشيخان، الثاني: ما تفرد به البخاري، ثم ما تفرد به مسلم، ثم يلي ما خرجه مسلم متفرداً به ما حوى شرطهما، شرط الشيخين معاً، يعني عند غيرهم، وكثيراً ما نسمع الحاكم يقول: صحيح على شرطهما، صحيح على شرطهما، وأحياناً يقول: صحيح على شرط البخاري، وأحياناً يقول: صحيح على شرط مسلم، وأحياناً يقول: صحيح فقط من غير أن يضيفه إلى شرطهما أو شرط واحد منهما فما المراد بشرط الشيخين؟ اختلف العلماء في المراد بشرط الشيخين على أقوال: