لما أنهى الحافظ -رحمه الله تعالى- الحديث عن الجهالة وأسبابها وأنواعها شرع في بيان السبب التاسع من أسباب الطعن في الراوي وهو البدعة، وسبق الحديث عنها من حيث تعريفها وتقسيمها، وهنا حكم رواية المبتدع، وهنا الكلام يقتصر على حكم رواية المبتدع.
[حكم رواية المبتدع:]
اختلف العلماء في الرواية عن الراوي المبتدع كالمرجئ والقدري والخارجي والرافضي وغيرهم في الاحتجاج بما يروونه على أقوال:
الأول: يرى جمع من أهل العلم أن رواية أهل البدع لا تقبل مطلقاً، وذلك لأنهم إما كفار وهذا في أهل البدع المغلظة، أو فساق لما ذهبوا إليه، وكلٌ من الكافر والفاسق مردود الرواية، فلا تقبل رواية المبتدع مطلقاً، وهذا القول مروي عن الإمام مالك والقاضي أبي بكر الباقلاني، واختاره الآمدي، وجزم به ابن الحاجب، وأيد هذا الرأي بأن في الرواية عن المبتدع ترويجاً لأمره، وتنويهاً بذكره، وقد رد ابن الصلاح هذا الرأي وقال: إنه مباعد للشائع عن أئمة الحديث، فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة، يعني رد رواية المبتدع مطلقاً مخالف لما عليه العمل عند أهل العلم، فكتب السنة مملوءة بالرواية عن المبتدعة.
القول الثاني: يرى بعض العلماء التفصيل فإن كانت البدعة صغرى قبل وإلا فلا، وبهذا قال الحافظ الذهبي معللاً بأنه لو ردت مرويات هذا النوع –يعني من كانت بدعته صغرى- لذهب جملة من الآثار النبوية وفيه مفسدة بينة؛ لأن هذا النوع كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، وقال: وإن كانت الكبرى –البدعة كبرى- كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة، لا سيما ولست أستحضر الآن من هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً، بل الكذب شعارهم والنفاق والتقية دثارهم فكيف يقبل من هذا حاله؟ حاشا وكلا، هذا رأي الذهبي، التفريق بين البدعة الصغرى والبدعة الكبرى.