الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[بم يعرف الوضع؟]
عرفنا الخبر الموضوع، المكذوب، الملصق، المنسوب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- زوراً وبهتاناً، وعرفنا الأسباب الأسباب الحاملة لمن اقترف هذه الجريمة إلى ما صنع، والآن نعرض إلى شيء يعرف به الحديث الموضوع:
ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- في المنار المنيف أن من تضلع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها ملكة، وله اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهديه، فيما يأمر به وينهى عنه، ويخبر عنه، ويدعو إليه ويحبه ويكرهه، ويشرعه للأمة بحيث يصير كأنه مخالط للرسول -صلى الله عليه وسلم- كواحد من أصحابه، فمثل هذا يعرف من أحوال الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهديه وكلامه، وما يجوز أن يخبر به وما لا يجوز ما لا يعرفه غيره، يقول: وهذا شأن كل متبع مع متبوعه، فإن للأخص به الحريص على تتبع أقواله وأفعاله من العلم بها والتمييز بين ما يصح أن ينسب إليه وما لا يصح، ما ليس لمن لا يكون كذلك، وهذا شأن المقلدين مع أئمتهم يعرفون أقوالهم ونصوصهم ومذاهبهم.
هذا ظاهر لو أن شخصاً أحضر آخر ليخدمه بالأجرة ولزمه في الخدمة أكثر الوقت فإنه لا يحتاج إلى وقت طويل حتى يعرف ما يحب هذا الرجل وما يكره، وما يأكل وما يمنع منه إلى غير ذلك، ويعرف أن مثل هذا القول يمكن أن يصدر عنه، إذا درس وضعه ونفسيته وما لا يمكن أن ينسب إليه، وهذا إدراكه سهل بالنسبة للمتبوعين مع من يتبعون، والعلماء الفقهاء التابعون للمذاهب يعرفون ما يمكن أن ينسب إلى إمامهم وما لا ينسب، فلو جاء شخص نسب إلى الإمام أحمد قولاً لا يجري على قواعده وأصوله لبادر الحنابلة بتكذيبه، وهكذا بقيت المذاهب، وذلك لأنهم عرفوا ما يعجب الإمام أحمد وما لا يعجبه، وعرفوا أصوله وفروعه، كذلكم من اعتنى بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه مع العناية والتحري وطول المذاكرة والمدارسة يعرف ما يمكن أن يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وما لا يمكن أن يضاف إليه.