علماء بغداد سمعوا بالبخاري ولما قدم اجتمع عليه وجوه الناس فأرادوا أن يختبروه، فعمدوا إلى مائة حديث وأعطوا كل واحد منهم عشرة، كل رجل أعطوه عشرة أحاديث، وجعلوا سند الحديث الأول للثاني، وسند الثالث للرابع، والخامس والسابع إلى آخر المائة، وألقوا العشرة عليه مقلوبة، فألقاها الأول العشرة والبخاري ساكت على القلب، ثم جاء الثاني فألقى العشرة على الإمام وهو ساكت، الثالث، الرابع، العاشر، لما انتهى التفت إلى الأول قال: حديثك الأول قلت فيه كذا وصوابه كذا، الثاني قلت فيه كذا وصوابه كذا، يعني كون البخاري يحفظ الصواب ما هو بغريب، لكن الغريب كونه يحفظ الخطأ، ثم يرده إلى الصواب إلى تمام المائة.
وهذه القصة يقدح فيها بعضهم؛ لأن ابن عدي يرويها عن عدة من شيوخه ولم يسم واحداً منهم، فقالوا: هذه القصة جاءت .. ، ذكرها ابن عدي عن مجاهيل، لكن هؤلاء المجاهيل هم من شيوخ ابن عدي، وهم عدد، ليسوا بواحد ولا اثنين ولا ثلاثة، حدثني عدة من شيوخنا، وبعضهم يجبر بعضاً، وحينئذ تكون القصة ثابتة، نعم هم مجاهيل، لكن مجهول مع مجهول مع مجهول يتقوى بلا شك، والإمام البخاري أهل لمثل هذا.
وفي آخر القصة:"فرد متن كل حديث إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل" وبالنسبة لحكم القلب لا يخلو القلب إما أن يكون عن قصد أو عن غفلة وعن غير قصد، فإن كان عن قصد فلا يخلو: إما أن يكون للإغراب فلا شك في أنه لا يجوز، إذا كان هدف الذي قلب ليقال أن عنده حديث لا يوجد إسناده عند غيره، إن كان القصد منه الإغراب فلا شك في أنه لا يجوز، وأما إن كان للاختبار فقد فعله كثير من المحدثين مما يدل على جوازه، شريطة ألا يستمر عليه، بل ينتهي بانتهاء الحاجة، وإن كان القلب من غير قصد فلا شك أن فاعله معذور؛ لأنه لم يقصد إليه إلا أنه إذا كثر يجعل المحدث ضعيفاً لضعف حفظه وضبطه.