القول الثاني: يرى آخرون أن توبته صحيحة وروايته مقبولة، إذا صحت توبته، وهذا القول رجحه النووي وقال: إنه الجاري على قواعد الشرع وقاسه على رواية الكافر إذا أسلم، يقول: هذا الذي كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- أشد ما قيل فيه أنه يكفر، والكافر إذا أسلم قبلت روايته، وهذا من باب أولى، وضعف الرأي الأول، ولا شك أن الرأي الأول فيه تشديد النكير على من كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- وفيه احتياط للسنة؛ لأن هذا الكاذب لا يؤمن أن يكذب في توبته.
[التهمة بالكذب:]
الوجه الثاني من أوجه الطعن في الراوي: التهمة بالكذب.
والتهمة في اللغة: الظن، أصلها الوهمة، تاؤه مبدلة من واو، كما أبدلت في تخمة، يقال: أوهمته واتهمته إذا أدخلت عليه التُهَمة كهمزة ورطبة، والسكون لغة، أصله تُهَمة كهُمزة ولُمزة، وقد تسكن فيقال تهْمة، واتهمته شككت في صدقه.
واصطلاحاً عرفه الحافظ ابن حجر في النزهة، عرف الحافظ ابن حجر في النزهة تهمة الراوي بالكذب: بألا يروى ذلك الحديث إلا من جهته، ويكون مخالفاً للقواعد المعلومة، وكذا من عرف بالكذب في كلامه العادي، وإن لم يظهر منه وقوع ذلك في الكلام النبوي.
الكذاب في علوم الحديث هو الذي يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمتهم بالكذب هو الذي يكذب في حديثه العادي مع الناس، لكنه لا يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل هذا يتهم بالكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه جرب عليه الكذب في حديثه مع الناس، ومثله لو روى حديث لا يعرف إلا من جهته، ويكون هذا الحديث مخالف للقواعد المعلومة، ومن هذا نعرف أسباب اتهام الراوي بالكذب، ألا يروى ذلك الحديث إلا من جهته، ويكون الحديث مخالف للقواعد المعلومة حينئذٍ نتهم هذا الراوي.
أن يعرف الراوي بالكذب في كلامه العادي لكن لم يظهر منه كذب في الحديث النبوي، ومتى اتهم الراوي بالكذب ترك حديثه.