نعم هذا الأمر الثاني من أسباب الجهالة، وهي جهالة العين، أما الأمر الأول أخذناه فيما مضى في جهالة الذات وهذا المراد به جهالة العين، حيث قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وقد يكون مقلاً فلا يكثر الأخذ عنه، وصنفوا فيه الوحدان"، يعني أن الراوي قد يكون مقل من الرواية أو من التحديث فلا يكثر الآخذون عنه والرواة، قال القاري في شرحه:"فيصير مجهول الذات، فيصير مجهول الذات" كذا قال.
سبق أن عرفنا فيما تقدم أن هذا النوع يسمى عند أهل العلم مجهول العين، وسيأتي في كلام الحافظ، وسبق أني أطلقت جهالة الذات على المبهم الآتي ومن كثرة نعوته بحيث لا يتميز فيحصل الجهل به وهو الذي تقدم ذكره قريباً، وصنفوا في هذا النوع الوحدان، وصنف فيه الإمام مسلم بن الحجاج، والحسن بن سفيان، وأبو الفتح الأزدي وغيرهم، وتقدم الكلام في مجهول العين، وفي حكم روايته، فلا داعي لإعادة الكلام فيه، نعم.
[المبهم:]
أحسن الله إليك:"أو لا يسمى اختصاراً وفيه المبهمات، ولا يقبل المبهم ولو أبهم بلفظ التعديل على الأصح، فإن سمي وانفرد واحد عنه فمجهول العين، أو اثنان فصاعداً ولم يوثق فمجهول الحال وهو المستور".
نعم، يقول الحافظ:"أو لا يسمى اختصاراً وفيه المبهمات" فإذا لم يسمّ الرواي اختصاراً: حدثني رجل، حدثني بعضهم نعم، هو المبهم، يعني أن الراوي قد لا يسمي شيخه من باب الاختصار، فيقول: أخبرني فلان، أو شيخ، أو رجل، أو بعضهم، أو ابن فلان، ويستدل على معرفة اسم المبهم بوروده من طريق أخرى مسمى.
وصنفوا في هذا النوع المبهمات وهي كثيرة جداً، فأول من صنف في ذلك عبد الغني بن سعيد الأزدي، ثم تلاه الخطيب الحافظ البغدادي في كتاب أسماه:(الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة) ثم تلاه الحافظ أبو الفضل بن طاهر في (إيضاح الإشكال) ثم أبو القاسم خلف بن بشكوال في كتاب أسماه: (الغوامض والمبهمات)، ثم قطب الدين القسطلاني، وولي الدين أبو زرعة بن الحافظ العراقي له كتاب جامع في الباب اسمه:(المستفاد من مبهمات المتن والإسناد) وجلال الدين البلقيني (الإلهام بما وقع في البخاري من الإبهام) والكتب كثيرة في هذا الباب.