الرابع: فصل آخرون فقالوا: إن عرف من المدلس أنه لا يروي إلا عن ثقة فإنه يقبل بأي صيغة روى، وإن كان المدلس يروي عن الثقات وغير الثقات فلا يقبل إلا إذا صرح بالتحديث، وذكر ابن عبد البر في التمهيد عن أئمة الحديث أنهم قالوا: لا يقبل تدليس الأعمش، لا يقبل تدليس الأعمش لماذا؟ لأنه إذا وقف أحال على غير ملي، يعني يروي عن غير الثقات، يعنون على غير الثقة، وقالوا: يقبل تدليس ابن عيينة؛ لأنه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظائرهما من الثقات، والراجح -والله أعلم- هو القول الثالث، وهو ما اختاره المحققون من العلماء وهو قبول خبر المدلس إذا صرح بالتحديث وإلا فلا، مع استثناء ما في الصحيحين.
وقوله:"وكذا المرسل الخفي من معاصر لم يلق" تقدم تحقيق معنى المرسل الخفي والفرق بينه وبين التدليس، وعرفنا أنه إذا كان الراوي قد لقي وسمع من روى عنه وروى عنه ما لم يسمعه منه هذا يسمى تدليس، إذا كانت بينهما المعاصرة فقط ولم يثبت اللقاء ولا السماع وروى عنه بصيغة موهمة فإنه يسمى المرسل الخفي، وهذا هو الفرق بين المرسل الخفي والتدليس، نعم.
[أسباب الطعن في الراوي:]
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ثم الطعن: إما إن يكون لكذب الراوي، أو تهمته بذلك أو فحش غلطه، أو غفلته، أو فسقه، أو وهمه، أو مخالفته، أو جهالته، أو بدعته، أو سوء حفظه".
الطعن في الراوي كيف يتسرب الطعن في الراوي؟
أولاً: كيف ينفذ الضعف إلى الحديث؟ عرفنا أن الحديث إنما يضعف بسبب السقط من الإسناد أو ضعف في راويه، بسبب السقط من الإسناد وهذا كله تقدم بأنواعه الستة الظاهرة والخفية، وأما الطعن في الراوي وهو المسلك الثاني من مسالك الضعف إلى الخبر، وينقسم هذا إلى قسمين رئيسين، وتحت كل قسم خمسة أنواع:
القسم الأول: ما كان سببه الخلل في العدالة، والثاني: ما كان سببه اختلال الحفظ، القسم الأول: ما كان سببه الخلل في العدالة وينشأ عنه خمسة طعون من الطعون العشرة المذكورة الآن، والثاني: الخلل في الحفظ والضبط ويدخل فيه خمسة من الطعون المذكورة العشرة.