رابعاً: تدليس العطف، تدليس العطف: هو أن يروي المحدث عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه ويكون قد سمع من أحدهما دون الأخر فيصرح عن الأول ويعطف الثاني عليه، فيوهم أنه حدث عنه بالسماع أيضاً وإنما حدث بالسماع عن الأول ونوى القطع، فقال: وفلان، أي وحدث فلان.
الواحد يعرف أن زيد وعمرو قد سمعا خبراً من بكر، زيد وعمرو مجتمعا -أو مجتمعين حال كونهما مجتمعين- يرويان عن بكر فيأتي خالد فيسمع من زيد ولا يسمع من عمرو، وهو يعرف أن عمرو سمع الخبر لكنه لا يرويه عنه، فيقول: حدثني زيد وعمرو أنهما سمعا بكراً، هو بالفعل سمع من زيد لكنه لم يسمع من عمرو، فيعطف عمرو وهو غير مسموع له على زيد، نعم هما سمعا الخبر من بكر، لكن عمراً لم يحدث خالداً، فيقول: حدثني زيد وعمرو يعطفه على زيد، فالسامع يظن أنه محدث له؛ لأن العطف على نية تكرار العامل، كأنه قال: حدثني زيد وحدثني عمرو، لكنه لا يقصد ذلك، فيضمر في نفسه فيقول: حدثني زيد وعمرو غير مسموع لي مثلاً، هذا تدليس العطف، ومثلوا له بما ذكره الحاكم في المعرفة أن جماعة من أصحاب هشيم وهو معروف بالتدليس وهو من رجال الصحيح اجتمعوا يوماً على ألا يأخذوا منه تدليس، قالوا: نبي ننتبه، ترى التدليس خفي، يمكن يمشي علينا أشياء، لكن لا بد أن ننتبه، انتبهوا، أن جماعة من أصحاب هشيم اجتمعوا يوماً على أن لا يأخذوا منه التدليس ففطن لذلك، فكان يقول في كل حديث يذكره:"حدثني حصين ومغيرة، حدثني حصين ومغيرة عن إبراهيم" ذكر أحاديث بهذه الصيغة، فلما فرغ قال لهم: هل دلست لكم اليوم؟ فقالوا: لا، خلاص هو صرح بالسماع ما في إشكال، صرح بالتحديث، إذا صرح المدلس بالتحديث أمنا التدليس، فقالوا: لا، فقال: لم أسمع من مغيرة حرفاً واحداًً، ما سمعت ولا حديث من الذي ذكرت لكم، لما كان يقول: حدثني حصين ومغيرة، نعم هو سمع من حصين لكنه لم يسمع من مغيرة، "وإنما قلت: حدثني حصين ومغيرة غير مسموع لي"، فأضمر في الكلام محذوفاً فسره بما ذكر.