يلتحق بتدليس الشيوخ تدليس البلدان، كأن يقول المصري: حدثني فلان في الأندلس وأراد موضعاً بالقرافة، أو يقول: بزقاق حلب ويريد موضعاً في القاهرة وهكذا، وظهر عندنا الآن أحياء بأسماء المدن وأسماء الأقاليم كأن يقول في الرياض مثلاً: حدثني فلان في القدس، حدثني فلان بالقدس، في حي اسمه القدس، والسامع يظن أن هذا رحل وتحمل المشاق، ذهب إلى القدس وسمع هذا الحديث منه، هذا تدليس، يسمى تدليس البلدان، هذا أمره سهل إذا كان المحدث والمحدث عنه من الثقات، لكنه إذا قصد به التشبع وكان الحامل عليه التشبع بأن يظن أن هذا رحل إلى البلدان والأقاليم وهو بين الحارات جالس في بلد واحد مثل هذا يذم، المتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور.
[الأغراض الحاملة على التدليس:]
الأغراض الحاملة على التدليس كثيرة منها: ضعف الشيخ المدَلس، نعم إذا كان ضعيف فيسقطه من روى عنه وهذا الذي ذمه شعبة، ومن الأغراض الحاملة: صغر الشيخ، يكون الشيخ صغير السن أصغر من التلميذ، فيأنف التلميذ أن يروي عن شخص هو أصغر منه، هذا موجود في النفوس كثير فيسقطه؛ لأنه يأنف أن يقال أنه يروي عن شخص أصغر منه، مع أنه لا ينبل الرجل ولا يكمل حتى يروي عن من هو فوقه، ومن هو دونه ومن هو مثله من أقرانه، فسمة أهل العلم التواضع، ونسبة القول إلى قائله، والرواية إلى راويها، ومن بركة العلم إضافة القول إلى قائله، بعض الناس إذا سمع فائدة من واحد من طلابه يأنف أن يقول: قال فلان هذه الفائدة وهي فائدة جيدة، يقول: قيل، أو قال بعض الفضلاء، لئلا يقال: أن هذا يستفاد من طلابه، لا، نستفيد من طلابنا والحمد لله.
من الأغراض: إيهام علو الإسناد، إيهام علو الإسناد، نعم إذا كان السند خماسي فأسقط واحد منهم صار رباعي صار عالي بالنسبة للخماسي.
كثرة الرواية عنه: يعني يكثر من الرواية عن شخص من الأشخاص فيمل من كثرة: حدثني فلان قال: حدثني فلان يسقطه.