أقول: الأئمة المتقدمون الذين يحفظون مئات الألوف من الأحاديث يبعد جداً أن يخفى عليهم مثل هذه الطرق، كما أننا لا نتصور أو نتوقع من كل واحد منهم بعينه أن يكون ميحطاً بجميع طرق جميع الأحاديث، فقد يوجد بعض الطرق مما لم يطلع عليه بعض المتقدمين، لا أقول: كل المتقدمين، قد يوجد لكن مع ذلكم إذا ضعّف الأئمة حديثاً فينبغي للمسلم أن يحتاط ويتهم نفسه، قد تكون فيه علة خفية أو معارضة لحديث لم يطلع عليه هذا المتأخر فضعف لأجل المعارضة للمخالفة في متنه، وأنت لم تطلع عليه، لكن لا مانع أن تقول: إنه بهذا الشاهد أو بهذه المتابعة يرتقي إلى درجة الحسن لغيره أو إلى درجة الصحيح لغيره عندي، بعد أن تبين أقوال الأئمة، فيكون في نقدك قولك قول واحد من أهل العلم، يأتي من بعدك هل يعارض به أقوال الأئمة المتقدمين؟ مسألة ثانية.
يقول: وجد بعض المتأخرين شاهداً أو سنداً في جزء حديثي غير مشهور، فهل يعتبر مثل هذه الشواهد والأسانيد؟
الشواهد والأسانيد معتبرة وعليها اعتماد الأئمة في التصحيح والتضعيف لكن يبقى أن الإنسان لا بد أن يتهم نفسه، ولا يجزم بتصحيح حديث ضعفه الأئمة ولا العكس، فإذا وقف على شاهد يقول: إنه وقف على هذا الشاهد في كتاب كذا، ولعله يرتقي به إلى الصحيح لغيره إن كان حسناً، أو إلى الحسن لغيره إن كان ضعيفاً.
إ ذا كان جميع الطرق ضعيفة ومتعددة وضعف الحديث الأئمة ثم رأينا بعض المتأخرين يصححها لكثرة طرقها فما هو الصحيح؟
الضعيف منها ما ضعفه منجبر، خفيف الضعف، ومنها ما ضعفه لا ينجبر لكذب رواته أو نكارت متنه أو علة خفية فيه، مثل هذا لو كثرت طرقه لا يتقوى، لكن إن كان ضعفه منجبر، ضعفه خفيف فإنه يتقوى حينئذ من كثرة الطرق، يتقوى بكثرة الطرق، وهذه طريقة أهل العلم كثيراً ما نجد الترمذي يصحح حديث يقول:"هذا حديث حسن صحيح" وإذا نظرنا إليه بمفرده وجدنا في إسناده شيء من الضعف، لكنه -رحمه الله- يردف ذلك بقوله:"وفي الباب عن فلان وفلان وفلان" هذه شواهد يرقي بها الحديث، فهو عمل .. ، جادة مسلوكة عند أهل العلم.