يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "فإن خولف" الصحيح، والحسن من باب أولى، إن خولف بما هو أرجح منه عندنا صحيح وعندنا أصح، لكن لا يمكن العمل بهما معاً، عندنا صحيح خبر صحيح مستجمع للشروط وخبر أصح منه، فإن خولف بأرجح فالراجح هو المحفوظ ويقابله الشاذ، إذا حصلت المخالفة بين روايات الثقات، فلا بد حينئذ من الترجيح إما بمزيد الضبط أو كثرة العدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات، والراجح حينئذ يقال له: المحفوظ، ومقابله وهو المرجوح يقال له: الشاذ، فالمحفوظ: اسم مفعول من الحفظ، يقال: حفظ المتاع يحفظه حفظاً فهو حافظ، والمتاع محفوظ، وفي الاصطلاح: ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو دونه في القبول، ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو دونه هذا المحفوظ، ومثاله: ما رواه الترمذي وأبو داود من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً: ((إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه)) عبد الواحد بن زياد ثقة خالف غيره من أصحاب الأعمش فرواه من قوله -عليه الصلاة والسلام-، والمحفوظ من فعله، فرواية عبد الواحد بن زياد شاذة، وراويها ثقة، رواية غيره من أصحاب الأعمش وهو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يضطجع، وليس فيه الأمر:"فليضطجع" رواية الأمر شاذة، ورواية الفعل محفوظة، ولذا نقل ابن القيم في الهدي عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال:"الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- الفعل لا الأمر به، والأمر به تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه".
والشاذ لغة: المنفرد عن الجمهور، يقال: شذ يشذ ويشذ بضم الشين المعجمة وكسرها شذوذاً إذا انفرد، واصطلاحاً اختلف في تعريفه على أقوال:
عرفه الإمام الشافعي بما يفيده كلام الحافظ السابق بقوله:"إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس"، أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس، وعرفه أبو يعلى الخليلي بقوله:"الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة"، ما ليس له إلا إسناد واحد، فأطلق الشذوذ وأراد به التفرد سواء كان المتفرد ثقة أو غير ثقة، عنده فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به يعني حتى يوجد ما يشهد له.