على مصح)) أخرجه البخاري معلقاً، وحديث:((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) هذه أحاديث متضادة في الظاهر، حديث:((لا عدوى ولا طيرة)) هذا ينفي العدوى، حديث:((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) قد يفهم منه أن مخالطة الصحيح للمريض تؤثر في السليم وهذه هي العدوى التي يثبتها الأطباء، ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) ((لا يورد ممرض على مصح)) لماذا لا يورد ممرض على مصح؟ إلا لوجود شيء من العدوى، والحديث الأول:((لا عدوى ولا طيرة))، العلماء لهم مسالك في الجمع بين هذه الأحاديث من هذه المسالك: أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها ولا تسري بذاتها، ((لا عدوى)) يعني أن المرض لا ينتقل من مريض إلى آخر بذاته بطبعه، لكن الله -سبحانه وتعالى- جعل مخالطة المريض للصحيح سبباً لأعدائه مرضه، سبب للانتقال، وقد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب، وهذا مسلك ابن الصلاح، ابن الصلاح يثبت العدوى وأن المخالطة سبب للانتقال، والعدوى المنفية في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا عدوى)) إنما هي كون المرض يسري بنفسه ويتعدى بذاته، والمثبت في مثل قوله:((فر من المجذوم)) ((ولا يورد ممرض على مصح)) أن المخالطة من قبل الصحيح للمريض تكون سبب لانتقال المرض والمسبب هو الله -سبحانه وتعالى-، وقد يوجد المسبب عند حصول السبب وقد لا يوجد؛ لأن الناس من الأصحاء يخالطون المرضى فمنهم من يمرض ومنهم من لا يمرض؛ لأن هذا سبب، كمن لا يتقي البرد في الشتاء مثلاً يخرج بثياب رقيقة هذا سبب للمرض، قد يمرض وقد لا يمرض؛ لأن السبب قد يتخلف لوجود مانع يقاومه.
على كل حال هذا مسلك ابن الصلاح وفيه إثبات العدوى، فيه إثبات العدوى، لكن المنفي كون المرض يسري بنفسه، من غير كون الله -سبحانه وتعالى- هو الذي ينقله من مريض إلى آخر.
الثاني: أن نفي العدوى باق على عمومه، يعني مخالطة المريض من قبل الصحيح لا أثر لها البتة، يعني تخالط صحيح أو مريض تعاشر صحيح أو مريض لا أثر له البتة ...