ما الفائدة وما الحكمة من النسخ؟ ما الحكمة من كون الشرع يقر حكم ثم ينسخه؟ النسخ له فوائد كثيرة جداً لكن من أهمها: رعاية الأصلح للمكلفين، رعاية الأصلح للمكلفين تفضلاً من الله تعالى لا وجوباً عليه كما تقول المعتزلة، فمصالح الناس مقصد من مقاصد التشريع في الإسلام، وهذه المقاصد والمصالح تختلف باختلاف الأحوال والأزمان، قد يكون هذا الحكم يناسب الناس في هذا الوقت ثم يكون هذا الحكم المناسب في هذا الوقت غير مناسب في وقت آخر، فيأتي بعد ذلك ما ينسخه، وهنا حصلت رعاية الأصلح للمكلفين ومن ذلكم امتحان المكلفين أيضاً، امتحان المكلفين بامتثالهم الأوامر واجتنابهم النواهي، وتكرار الاختبار خصوصاً بأمرهم بما كانوا منهيين عنه ونهيهم عما كانوا مأمورين به، يعني أمروا بشيء حتى إذا عملوه وألفوه نهوا عنه، امتثالهم لهذا النهي بعد ذلك الأمر وبعد ذلك الإلف امتحان، امتحان لهم واختبار لينظر من ينقاد، وكذلكم إذا نهوا عن شيء ثم رؤيا امتثالهم لهذا النهي ثم أمروا به ونسخ النهي الأول أيضاً هذا من تمام الامتحان، حصل الابتلاء والامتحان في نسخ القبلة وتغييرها {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا} [(١٤٢) سورة البقرة].
الانقياد في حالة التغيير أدل على الإذعان والطاعة بلا شك، يعني كون الإنسان يؤمر بأمر ويستمر عليه هذا ما فيه إشكال، امتثل مرة واحدة هذا الأمر واستمر عليه، لكن كونه يؤمر به فيتمثل ثم ينهى عنه فيمتثل لا شك أن هذا يدل على تمام الانقياد.
الفرق بين النسخ والتخصيص: النسخ رفع كلي للحكم، والتخصيص رفع جزئي، رفع جزئي لحكم، فهو قصر للحكم على بعض أفراده دون بعض، وجاء في تعبير السلف إطلاق النسخ على التخصيص كما أطلقوه على التقييد، فالنسخ عندهم أوسع من النسخ عند المتأخرين، فالمتأخرون يخصون النسخ بالرفع الكلي للحكم، والمتقدمون يطلقونه ويتوسعون في إطلاقه على التخصيص.