يقول الحافظ:"وإلا فالترجيح ثم التوقف"، يعني إن لم يمكن الجمع بين النصوص المتعارضة ولم يعرف التاريخ فلا يخلو إما أن يمكن ترجيح أحدهما على الآخر بوجه من وجوه الترجيح الكثيرة، وجوه الترجيح بين النصوص كثيرة جداً، إذا لم نستطع الجمع وهو أولى ما يبدأ به، إذا أمكن الجمع تعين بين النصوص، إن لم يمكن وعرفنا التاريخ عرفنا المتقدم من المتأخر حكمنا بالنسخ، إن لم يمكن الجمع ولم نعرف التاريخ نلجأ إلى الترجيح، نلجأ إلى الترجيح بين هذه النصوص، ووجوه الترجيح كثيرة جداً، ذكر الحازمي في (الاعتبار) الذي ذكرناه آنفاً خمسين وجهاً للترجيح بين النصوص، الحافظ العراقي في نكته على ابن الصلاح ذكر أكثر من مائة وجه للترجيح بين النصوص، السيوطي حصر هذه الوجوه الكثيرة، وجوه الترجيح الكثيرة في سبعة أقسام، يعني بدلاً من أن تقرأ مائة وجه أو خمسين وجه عند الحازمي السيوطي جعلها سبعة أقسام، الترجيح بحال الراوي، كالحفظ والفقه وملازمة الشيوخ والسلامة من القوادح، الترجيح بطريق التحمل كالسماع والعرض والإجازة وغيرها، الترجيح بكيفية الرواية كالمروي باللفظ، وما ذكر سببه، وكونه متفقاً على رفعه ووصله، الترجيح بوقت الورود فيقدم المدني على المكي، الترجيح بوقت الورود فيقدم المدني على المكي، والمتضمن للتخفيف على المتضمن للتشديد، وقيل عكسه، قال الرازي:"الترجيح بهذا غير قوي"، الترجيح بهذا غير قوي، يعني إذا وجدنا نص متضمن للتخفيف وآخر متضمن للتشديد، نرجح المخفف وإلا المشدد؟ منهم من يقول: يقدم المتضمن للتخفيف؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- ما جعل علينا في الدين من حرج، على المتضمن للتشديد، قوم آخرون يقولون: لا، العكس يقدم المتضمن للتشديد لماذا؟ لأنه أحوط؛ ولأن الدين عبارة عن مجموعة تكاليف، والتكليف: إلزام ما فيه كلفة، وهو أحوط، وهو العزيمة، على كل حال الترجيح بمثل هذا غير قوي، لا ننظر إلى التشديد والتخفيف بقدر ما ننظر إلى إمكان الجمع إن أمكن، أو القول بالنسخ.