للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا لم يمكن الترجيح بوجه من الوجوه لزم التوقف عن العمل بأحد الحديثين، لماذا؟ لأن عملك بحديث معارَض بمثله ليس بأولى من عملك بالمعارِض فاختيارك أحد الأمرين من غير مرجح تحكم، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ يعني عندك حديثان متساويان من كل وجه، ولم تستطع الجمع ولا عرفت التاريخ تتوقف؛ لأن عملك بأحد الحديثين يحتاج إلى مرجح، عملك بأحد الحديثين تحكم، فيلزمك التوقف، وهذا في النصوص ظاهر، شيخ الإسلام وهو يرد على طوائف المبتدعة الذين يقولون بقدم المحدثات، وأنهم يقولون: أنها كلها قديمة بقدم الله -عز وجل-؛ لأننا إذا قلنا: أنه عمل هذا قبل هذا ولا مرجح لأحدهما على الآخر تطاولوا على الخالق، تطاولوا على الخالق -عز وجل- الذي لا يسأل عما يفعل، يقول: "الإنسان قد يعمل أعمال فيقدم أحد المتساويين من غير مرجح كالبداءة بأحد الرغيفين" أمامك رغيفين تبدأ بأحدهما تحتاج إلى مرجح؟ نعم، "وسلوك أحد الطريقين" عندك طريق يؤدي إلى الغرض وثاني يؤدي إلى الغرض بنفس المدة وبنفس السهولة، كونك تذهب مع الطريق هذا أو مع ذاك تحتاج إلى مرجح؟ ما يحتاج إلى مرجح، أو تحتاط تجلس حتى تجد مرجح تتوقف ما تأكل أحد الرغيفين حتى تجد مرجح؟ نعم، عندك رغيفان هل تحتاج في مثل هذا إلى مرجح؟ ما تحتاج إلى مرجح، والمخلوقات بالنسبة إلى الخالق كالأرغفة بالنسبة للمخلوق، هو يحتاج إلى أن يوجد مرجح فيرجح ليبدأ بأحد المخلوقات قبل بعض؟ لا، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [(٢٣) سورة الأنبياء] إنما الذي يسأل المخلوق الضعيف، وهناك أمور أطلقت له وأبيحت بحيث لا يسأل عنها، فالأمور المباحة يبدأ بأحدها قبل الآخر إيش اللي يمنع؟ ما الذي يمنع أن تذهب لزيارة زيد قبل زيارة عمرو أو العكس؟ تبدأ بالرغيف هذا أو بذاك من غير مرجح؟ تسلك الطريق هذا أو ذاك من غير مرجح؟ إيش المانع؟ أنت تختار هذه أمور في حيز الإباحة.

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "التعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط" لأن من أهل العلم من يقول: أنها تعارضت فتساقطت، لماذا؟ "لأن خفاء ترجيح أحدهما على الآخر إنما هو بالنسبة للمعتبر بالحالة الراهنة، مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفي عليه، والله أعلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>