إذا كان الحديث مما تعبد بلفظه لا تجوز روايته بالمعنى، ففي ذكر النوم في حديث البراء:((ونبيك الذي أرسلت)) في آخره لما عرضه البراء على النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:"ورسولك الذي أرسلت" قال: ((لا، قل: ونبيك الذي أرسلت)) لأن هذا اللفظ متعبد به، وهذا الخلاف إنما يجري في غير المصنفات، ولا يجوز تغيير شيء من مصنف أو إبداله بلفظ آخر وإن كان بمعناه قطعاً؛ لأن الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص لما كان عليهم في ضبط الألفاظ من الحرج وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه الكتب، يعني شخص يعمد إلى صحيح البخاري مثلاً لينسخ له نسخة من الكتاب فلا يعجبه لفظة فيبدلها بغيرها، يقول: الرواية بالمعنى جائزة، لا تعجبه جملة فيركب جملة هي أعجب إليه، نقول: لا، المصنفات لا يجوز تغييرها، لا يجوز تغييرها بحال، انقل من الكتاب كما وجدته، والسبب في ذلك: أن أداء اللفظ ونقل اللفظ أمر مقدور عليه، والرواية بالمعنى إنما جوزت للحاجة؛ ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره، يعني ماذا نتصور عن كتاب من الكتب المعتمدة عند أهل العلم يأتي شخص لينسخه فيرويه بالمعنى ثم يأتي آخر فيتصرف فيه فيرويه بالمعنى إيش تكون النتيجة بعد عشرة نساخ؟ النتيجة يمسخ الكتاب مسخاً كاملاً، وينبغي للراوي بالمعنى أن يقول عقيبه: أو كما قال، أو نحو ذلك، أو شبهه، أو ما أشبه هذا من الألفاظ، وقد كان قوم من الصحابة يفعلون ذلك، وهم أعلم الناس بمعاني الكلام، خوفاً من الزلل بمعرفتهم بما في الرواية بالمعنى من الخطر، روى الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم عن ابن مسعود أنه قال يوماً: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، ثم قال:"أو مثله، أو نحوه، أو شبيهاً به"، ومثل ذلك في سنن الدارمي عن أبي الدرداء، وفي المسند وابن ماجه عن أنس ابن مالك أنه كان إذا حدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففرغ قال:"أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، لكن هذا على سبيل الاستحباب، ليس بلازم، إنما هو على سبيل الاستحباب؛ لأنه هذا نادر أن يقال في مثل هذه المناسبات، كثيراً ما نجد الرواية بالمعنى في الكتب ولا ينصون على أنه شبهه أو نحوه، أو