أما من اختلف فيه أهل العلم ووجد لأهل العلم أقوال متفاوتة متعارضة من موثق إلى مضعف، من متوسط إلى متشدد فينظر بين هذه الأقوال بالطرق المتبعة عند أهل العلم في قواعد الجرح والتعديل، ولنفرض أن رجلاً ضعفه عشرة ووثقه ثلاثة من الأئمة كابن لهيعة مثلاً فجمهور أهل العلم على ضعفه، ومنهم من يفصل فيقوي رواية العبادلة ويضعف ما عداها، ولا شك أن الرجل من حيث الحفظ في حفظه سوء، وأتي من قبل حفظه، وذكروا في سبب ذلك أن كتبه احترقت، احترقت فحدث من حفظه فساء حفظه ولم يضبط، قد يقول قائل: الآن الكتب الحمد لله نشوف المكتبات تحترق ويأمن غيره ولا يضر، نقول: الكتب إذا كان ممن يعتمد عليها، ولا تتصورون أن الناس أول كانوا يجمعون الكتب يرصونها في الدواليب لها نظائر في الأسواق وعند الإخوان والزملاء، لا، هذا كتاب فلان يعني لا يوجد عند غيره، هذه رواية فلان لهذا الكتاب، ولا يستطيع أن يحدث إلا من روايته، أو من طريق الرواية عن صاحب كتاب آخر، فهذا الكتاب الذي يرويه هو ولا يوجد عند غيره، وقد يوافق على بعضه في كتب أخرى وما أشبه ذلك احترق ماذا يصنع؟ فإذا كان الشخص ممن يعتمد على كتاب واحترق كتابه خلاص انتهى، مثل المسافر الذي ما عنده كتب، وهذا يبين لنا أهمية الحفظ بالنسبة لطالب العلم الشرعي، فالحفظ الحفظ، ولا بديل عن الحفظ، أما من فتن بالنظريات الوافدة وأخذ يقلل من شأن الحفظ ويذم الحفظ، وهذا جاءنا مع من وفد من البلدان والأقطار إلى هذه البلاد في أوائل التعليم النظامي جاءوا وصاروا يقللون من شأن الحفظ ويقولون: إن الحفظ يبلد الذهن، والعبرة بالفهم، هذا إذا كان الكلام مقبولاً في علومهم التي تعتمد على العمل باليد فهم لا يحتاجون إلى حفظ، أنت إذا أردت أن توضب سيارة ما تحتاج إلى أن تراجع محفوظاتك، تأخذ المفاتيح والعدة وتشتغل هذه علومهم، هذه بضاعتهم، ليست عندهم علوم متعبد بلفظها كالقرآن، القرآن إذا لم يحفظه طالب العلم ماذا تكون بضاعته؟ {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(٤٩) سورة العنكبوت] لا بد من الحفظ.