للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحافظ كثيراً ما يلخص كتب الآخرين، لخص التهذيب، لخص المشتبه للذهبي، لخص كذا ولخص كذا، هذا المعلق يتتبعه ويشدد عليه في النكير، يقول هنا: "وقد صنف فيه الخطيب كتاباً حافلاً وقد لخصته" فجاء المعلق يقول: "الكلام عليه كالكلام على ما سبق من أمثاله وهو قريب العهد منك، وإنني ليؤلمني كثيراً وما أدري كيف يطاوعهم دينهم أن يفعلوا ما فعلوه؟ وماذا يكون اعتذارهم أمام صاحب الكتاب الأصلي بحضرة الحق -عز وجل- يوم القيامة؟ وقد بلغنا أن الصدر الشهيد لما عمد إلى كتاب الإمام محمد المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة صاحب الإمام أبي حنيفة ولخصه، بأن حذف منه الأدلة التي ذكرها فيه مؤلفه، ورأى الإمام محمداً في المنام فقال له: "قطّعك –بالتشديد- الله كما قطعت كتابي، فما لبث أن قتل شر قتلة"، لا شك أن الحافظ محفوظ، يعني كتبه تلغي الأصول تماماً، فكتابه التلخيص ألغى البدر المنير، حتى أن البدر المنير رغم أهميته وحاجة طلاب العلم إليه إلى الآن لم يطبع كامل؛ لأنه طلع التلخيص الحبير والتلخيص لا شيء بالنسبة لأصله، فهذه الملخصات إن لم يضف إليها الملخِص من علمه ودرره كما فعل الحافظ في تهذيب التهذيب فلا قيمة لها، نعم قد يكون الهدف من التلخيص تقريب الأصل للمتعلمين ويبقى الأصل كما هو، وما كان لله بقي، فلا ضير حينئذٍ، لكن إلغاء الكتب الأصلية بهذه الطريقة يعني من إنصاف الملخِص والمختصِر أن يشيد بالكتاب الأصلي، يعني مما يؤسف له أن الحافظ المزي -رحمة الله عليه- وهو إمام لخص الكمال للحافظ عبد الغني، الكمال هو أصل الأصول في رجال الكتب الستة، ومع ذلكم إلى الآن لم يطبع، لماذا؟ لأن الحافظ المزي اعتنى بالكتاب وزاد عليه وأضاف إليه إضافات، لا شك أن تهذيب الكمال أفضل من الكمال، يعني إذا قارنا بين الكتابين، لكن يبقى أن الأصل له فضل السبق، وله المنة على من جاء بعده، والمنة -أولاً وأخراً- لله -سبحانه وتعالى- الذي وفق الجميع لسلوك هذا الطريق.

<<  <  ج: ص:  >  >>