يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "تتفاوت رتبه –رتب الصحيح- بتفاوت هذه الأوصاف" تتفاوت رتب الحديث الصحيح بتفاوت هذه الأوصاف، عندنا الأوصاف: العدالة، والضبط، اتصال السند، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة، إذا اكتملت هذه الشروط حكمنا على الحديث بأنه صحيح، وجدت هذه الشروط في خمسة أحاديث مثلاً عندنا حكمنا على الأحاديث الخمسة بالصحة هل يعني هذا أن كل حديث من هذه الأحاديث بمنزلة الآخر مائة بالمائة مطابقة تامة؟ هل نقول: إذا حكمنا على الأول بنسبة خمسة وتسعين بالمائة صحيح وعلى الثاني لا بد أن يكون خمسة وتسعين بالمائة لأنهم كلهم ثقات عدول مرضيون؟ لا، عندك زيد وعمرو كلاهما ثقات لكن هل معنى هذا أن الدرجة واحدة في الثقة؟ لا، ولذا قال:"تتفاوت رتبه بتفاوت هذه الأوصاف"، يعني أن درجات الحديث الصحيح تتفاوت بالقوة بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة التي تنبني الصحة عليها، قال ابن الصلاح:"وتنقسم باعتبار ذلك إلى أقسام يستعصي إحصاؤها على العد الحاصر"، لماذا؟ لأن الرواة ما خرجوا من مصنع على هيئة واحدة، يعني السيارات تجيك يعني أول دفعة من الموديل ألف سيارة هل تقول: إن هذه أفضل من هذه إذا كان من كل وجه متطابقة من حيث اللون وغيره، وخرجت لمصنع واحد واحدة، نعم يصنع المصنع من هذه القارورة مليون مثلاً هل تقول: هذه أفضل من تلك؟ لكن كم بين مخلوقات الله من التفاوت! هل يمكن أن تجد شخصين متطابقين من كل وجه؟ لا يمكن، لا يمكن أن تجد اثنين متطابقين من جل وجه، لا يمكن، ولذا قد يضبط هذا الحديث واختل ضبطه أو ينزل ضبطه قليلاً في ذاك الحديث، والثاني العكس، فلذا تفاوتت رتب الصحيح تفاوتاً كبيراً، بحيث زادت أقسامه واستعصت على العاد الحاصر.
يقول ابن حجر في النزهة:"لما كانت هذه الأوصاف" يعني الشروط مفيدة لغلبة الظن الذي عليه مدار الصحة "اقتضت أن يكون لها درجات بعضها فوق بعض بحسب الأمور المقوية، وإذا كان كذلك فما يكون رواته في الدرجة العليا من العدالة والضبط وسائر الصفات التي توجب الترجيح كان أصح مما ودنه".