وأول من صنف في الصحيح المجرد الإمام محمد بن إسماعيل البخاري -رحمه الله تعالى-، ثم تلاه تلميذه وخريجه الإمام مسلم بن الحجاج، وأما قول الإمام الشافعي:"ما على ظهر الأرض كتاب في العلم بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك" فقد كان قبل وجود الصحيحين، قبل وجود الصحيحين لا يوجد أصح من الموطأ، ثم لما وجد الصحيحان -صحيح البخاري وصحيح مسلم- قدما على موطأ الإمام مالك وعلى غيره من الكتب، إذا عرفنا هذا فالصحيحان –أعني صحيح البخاري وصحيح مسلم- أصح الكتب بعد كتاب الله -عز وجل- إجماعاً، وجمهور أهل العلم على أن صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم وأكثر فوائد لإمامة البخاري وتقدمه في الفن ومزيد استقصائه وتحريه، ومسلم تلميذه وخريجه حتى قال الدارقطني:"لولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء" وهذا التفصيل من حيث الإجمال، من حيث الإجمال صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم لإمامة البخاري، هذا من حيث الإجمال؛ لأن الغالب أنه إذا كان المؤلف أعلم كان المؤلَف أجود إجمالاً، أما من حيث التفصيل فالإسناد الصحيح مداره على الاتصال وعدالة الرواة وصحيح البخاري أعدل رواة وأشد اتصالاً كما قرره أهل العلم، وبيان ذلك أن الرواة الذين انفرد الإمام البخاري بالإخراج لهم دون مسلم ممن تكلم فيه بالضعف ثمانون راوياً فقط، بينما المتكلم فيه بالضعف مما تفرد به الإمام مسلم مائة وستون راوياً على الضعف، ولا يعني هذا أنه إذا وجد راوي تكلم فيه ممن خرج له في الصحيح، سواءً كان صحيح البخاري أو صحيح مسلم أن الكلام مقبول، ما يلزم، لا يلزم أن يكون الكلام مقبولاً؛ لأن رواة الصحيحين قد جازوا القنطرة كما قرر أهل العلم، لكن الراوي الذي لم يجرح أصلاً لا شك أنه أولى من الراوي الذي تكلم فيه ولو بغير حق.