للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبن الحكيم أنّه يروم السفر، فشق ذلك عليه، وكلفه تحريك الحديث بحضرته، وجرى ذلك. فقال الشيخ: أنا كالدم بطبعي أتحرك في كل ربيع. انتهى. وقال أبن خاتمة في حقه، بعد إنَّ وصفه بالشاعر المجيد: أنّه رحل من تلمسان بلده إلى سبتة، فأقام بها مدة، ومدح رؤساءها من بني العزفي، ثم أجاز البحر إلى الأندلس، فأحتل بحضرة غرناطة في أواخر سنة ثلاث وسبع مائة، في جوار الوزير أبي عبد الله بن الحكيم، فتقارضا حلل المجد، وتباريا في الرفد والحمد، فأدنى له ذو الوزارتين أخلاف بره وإكرامه، وخلع عليه أبن خميس أثواب نثره ونظامه، فله فيه القصائد التي حليت بها لبات الآفاق، وتنفست عنها صدور الرفاق. وكان رحمه الله من فحول الشعراء، وأعلام البلغاء، يصرف العويص، ويرتكب مستصعبات القوافي، ويطير في القريض مطار ذوي القوادم الباسقة والخوافي، حافظا لأشعار العرب وأخبارها، له مشاركة في العقليات، واستشراف على الطلب؛ وعقد لإقراء العربية بحضرة غرناطة، وكان ما ينتحله من العلم فوق ما يحصله. ومال بأخرة إلى التصوف والتجوال، والتحلي بحسن السمت، وعدم الاسترسال، بعد طي بساط ما فرط له في بلده من الأحوال، وكان صنع اليدين. حدثني بعض من لقيه من الشيوخ أنّه صنع قدحا من الشمع على أبدع ما يكون، في شكله، ولطافة جوهره، وإتقان صنعته، وكتب بدائرة شفته:

وما كنت إلا زهرة في حديقةٍ ... تبسم عني ضاحكات الكمائم

فقبلت من طور لطور فهأنا ... أقبل أفواه الملوك الأعاظم

وأهداه خدمة للوزير أبي عبد الله بن الحكيم.

وأنشدتا شيخنا أبو البركات أبن الحاج وحكي لنا، قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>