وأخذ عمن لقي هنالك من الشيوخ، فمشيخته متوافرة. وكان رفيقه في هذه الوجهة الخطيب أبو عبد الله بن رشيد، فتعاونا على هذا الغرض، وقضيا منه كل نفل ومفترض، واشتركا فيمن أخذا عنه من الأعلام، في كل مقام. وكانت له عناية بالرواية، وولوع بالأدب، وصبابة باقتناء الكتب، جمع من امهاتها العتيقة، وأصولها الرائقة الأنيقة، ما لم يجمعه في تلك الأعصر أحد سواه، ولا ظفرت به يداه.
أخذ عنه الخطيب الصالح أبو إسحاق بن أبي العاصي التنوخي، والخطيب أبو عبد الله بن رشيد تدبج معه، وابنه الوزير الكاتب الأديب الفاضل أبو بكر محمّد بن محمّد بن الحكيم، وغيرهم. ومدحه الكاتب العلامة أبو الحسن بن الجياب، ومن بديع ما مدحه به قصيدة رائية رائقة، يهنئه فيها بعيد الفطر، وهي قوله:
يا قادما عنت الدنيا بشائره ... أهلا بمقدمك الميمون طائره
ومرحبا بك من عيد تحف به ... من السعادة أجناد تظافره
قدمت فالخلق في نعمي وفي جذل ... أبدى بك البشر بادبه وحاضره
والأرض قد لبست أثواب سندسها ... والروض قد بسمت منه أزاهره
حاكت يد الغيث في ساحاته حللا ... لمّا سقا دراكا منه باكره
فلاح فيها من الأنوار باهرها ... وفاح من النوار عاطره
وأم فيها خطيب الطير مرتجلا ... والزهر قد رصعت منه منابره
موشي ثوب طواه الدهر آونة ... فها هو اليوم للأبصار ناشره