للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غاية القبض، ولمّا اشتهر ذلك عنه وجه إليه أبو عنان الملك المتقدم الذكر، فلما مثل بين يديه آنسة وسكنه، ثم قال له: أنا أمرت بذلك، كي تعلم ما عندك من العلم، وما عند الناس، وتعلم أنَّ دار الغرب في كعبة كل قاصد، فلا يجب أن تتكل على حفظك، وتقتصر على ما حصل عندك، ولا يمنعك ما أنت فيه من التصدي، عن ملاقاة من يرد من العلماء، والتنزل للأخذ عنهم، ولا يقدح ذلك في رتبتك عندنا، إن شاء الله تعالى.

لخصت هذه الحكاية من تاريخ القيسي، فأنظرها.

قلت: وعكس هذا وقع لفقهاء فاس في أواسط المائة الثامنة، لمّا شرق السلطان أبو الحسن رحمه الله، وانتهت به درجة الاستبداد والاستقلال ببلاد إفريقية، فظهر فقهاء المغرب ممن صحبه، على فقهاء تونس، لحفظهم كتاب التهذيب عن ظهر قلب، وزعيم فقهاء المغرب يومئذ الرجل الصالح، أبو عبد الله السطي رحمه الله ونفع به، إلى أن جاءت نوبة الشيخ ابن عبد السلام، وعقد مجلسه بمحضر السلطان المذكور، ومن معه من الفقهاء والنحاة والكتاب والرؤساء، وتوجهت مطالبة فقهاء المغرب له، فكان رحمه الله على ما وصفه به من أرخ الواقع، كأنه بحر تلاطمت أمواجه، فكان يقطعهم واحد بعد آخر، وتلميذه ابن عرفة كذلك، إلى أن قال ولي الله المنصف، أبو عبد الله السطي للسلطان: يا علي، كذا يكون التحصيل، وكذا يقرأ الفقه، ولو لم يكن بتونس إلاّ هذا الإمام لكان بها كل خير! فلا بد من ملازمة هذا لهذا المجلس، حتى ينتفع به أصحابنا، وينتع بطريقه. وذلك هو السبب في التنويه بالشيخ ابن السلام رحمه الله، على أنه كانت رغبته فيما عند الله أن مات.

<<  <  ج: ص:  >  >>