وقته في فقه المدونة، وهو المستقل برياستها بعد شيخه الفقيه راشد، ما أخذ عنه حتى ظهرت على يديه الكرامات الخارقة، في شفاء أصحاب العلل المزمنة وغير ذلك، ولم ينظر في الفقه حتى أتقن علم الفرائض، وفنون البلاغة، وتلقى ذلك من أربابه، وارتحل، وانتقل إلى تازا، فلازم أهل اللسان، وفرسان المعارف وقتا طويلا، ثم اعتكف على قراءة " التهذيب "، ولازم الفقيه راشدا، واقتصر عليه، وكان الفقيه راشد لا ينفذ بمدينة فاس حكما، ولا جواباً في نازلة، حتى يحضره، ويعتني به، فلم تخط فراسته فيه؛ وكان لا يحجر عليه في القراءة، بل يقرأ من " التهذيب " من أي مكان شاء، وقد صدقت فراسته فيه، فكان في ميزان حسناته يوم القيامة.
واستيفاء التعريف بالشيخ، وذكر محنته بالقضاء، وسبب عزله، وذكر وفاته، يخرجنا عن الاختصار.
انتهى ما مست الحاجة إليه من كلام هذا المتأخر، ونقلت أكثره بلفظه، تبركا بعبارته، التي تلوح عليها إمارات الصالحين، وبالله التوفيق.
ولنذكر كلامنا من هذا المعنى، فنقول: قال الإمام أبو عبد الله الأبي رحمه الله تعالى في شرح مسلم، عند كلامه على قوله) :" أو علم ينتفع به بعده ": كان شيخنا أبو عبد الله ابن عرفة يقول: إنّما تدخل التواليف في ذلك ذا اشتملت على فائدة زائدة، وإلاّ فذلك تخسير للكاغد. ونعني بالفائدة الزائدة على ما في الكتب السابقة عليه، وأما إذا لم يشتمل التأليف إلاّ على نقل ما في الكتب المتقدمة، فهو الذي قال فيه: أنّه تخسير للكاغد، وهكذا كان يقول في مجالس التدريس، وأنّه إذا لم يكون في مجلس التدريس التقاط