للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستبدعه؛ وأحضره إلى مجلس نام عنه الدهر وغفل، وقام لفرط أنسه واحتفل؛ قد بانت صروفه، ودنت في الزائرين قطوفه؛ وقال هلم بنا إلى الاجتماع بمذهبك، والاستماع بما شئته ببراعة أدبك؛ فأقاموا يعملون كأسهم، ويصلون إيناسهم؛ وباتوا ليليهم ما طرقهم نوم، ولا عداهم عن طيب اللذات سوم.

ودخل سرقسطة أيام المستعين بالله وهي جنة الدنيا، وفتنة المحيا؛ ومنتهى الوصف وموقف السرور والقصف؛ ملك نمير البشاشة، كثير الهشاشة؛ وملك بهج الفناء، أرج الأرجاء؛ يروق المحتلى، ويفوق النجم المعتلى؛ وحضرة منسابة الماء، منجابة السماء؛ يبسم زهرها، وينساب نهرها؛ وتتفتح خمائلها، وتتوضع صباها وشمائلها؛ والحوادث لا تعترضها، والكوارث لا تقترضها؛ ونازلها من عرس إلى موسم، وآملها متصل بالأماني ومتسم؛ فنزل منها في مثل الخورنق والسدير، وتصرف فيها بين روضة وغدير؛ فلم يخف على المستعين اختلاله، ولم تخف لديه خلاله؛ فذكره معلماً به ومعرفاً، وأحضره منوها له ومشرفاً؛ وقد كان فر من ابن رزين، فرار للسرور من نفس الحزين؛ وخلص من اعتقاله، خلوص السيف من صقاله؛ فقال يمدحه:

هم سلبوني خنس صبري إذ بانوا ... بأقمار أطواق مطالعها بان

لئن غادروني باللوى إنَّ منجتي ... مسايرة أظغانهم حيثما كانوا

يقى عهدهم بالخيف عهد غمائم ... ينازعها مزن من الدمع هتان

أنَّ أحبابنا هل ذلك العهد راجع ... وهل لي عندكم آخر الدهر سلوان

<<  <  ج: ص:  >  >>