أقرب إلى لفظ المعنى؛ والتتبيع: من التتابع، والتابع يكون قريباً ويكون بعيداً. ويعد ذلك على قدامة من أغاليطه وهو أولى بالغلظ منه، لأن التتبيع وإن كان في نفس الأمر كما ظنه لكنه في هذا الموضع أراد به التابع القريب بدليل أنه ذكره بلفظ التفعيل الدال على النكتتين، ولو لم يقصد ذلك لقال: الإتباع دون البعيد فإن الألفاظ إذا كانت من أجل الوضع تدل على معنيين بحيث لا يتخلص إلى أحدهما دون الآخر إلا بقرينة، كانت حال اقترانها بالقرائن مخلصة للمعنى الذي تدل عليه القرينة.
وقدامة أتى بلفظ التتبيع مقترناً بالإرداف، فعلم أنه أراد التابع القريب والرديف تابع قريب، فلا فرق بينهما في هذا الموضع.
وأما بيت المتنبي الذي أتى به ابن رشيق ليكون دليلاً له فهو دليل عليه، لأنه عكس ما فسره به، وذلك أن اللفظ الدال فيه على الكرم هو الذي يجب أن يسمى إردافاً لأنه أقرب إلى لفظ الكرم، لكونه صرح فيه بلفظ الهبة، واللفظ الدال على الشجاعة بعيد من لفظ الشجاعة بالنسبة إلى لفظ الكرم، وقدامة رأى الفصحاء قد دلوا تارة على مقاصدهم بألفاظ قريبة من الألفاظ الموضوعة لتلك المقاصد، وطوراً بألفاظ بعيدة من الألفاظ الموضوعة لتلك المقاصد فسمي الأول إردافاً، والثاني تمثيلاً، لأن المثل وإن وجد قريباً من المثل وبعيداً فلا يبلغ قرب التابع القريب ولا الرديف، وسيأتي بيان ذلك في الباب الذي يلي هذا الباب، والله أعلم.