للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتقسم الفكر، ويتذبذب الخاطر ويشتغل القلب، ويتفرق مجتمع الهم، ووسط الليل خال عما ذكرنا، ولهذا خص أبو تمام تهذيب الفكر بالدجى عادلاً عن الطرفين لما فيهما من الشواغل التي ذكرناها، وإنما دخلت لفظة الدجى على وسط الليل، لأنها جمع دجية، وطرف الليل لقربهما من الشمس لا يكون غيهبهما شديد الظلمة، والدجى شدة الظلمة، لأنه مجموع ظلمات، وإن كان الدجى قد يطلق على الليل كله، سواء كان مظلماً أو مقمراً، لكنه إطلاق مجازي حقيقته ما ذكرناه، وأبو تمام أراد هاهنا الحقيقة لا المجاز، لقصد المبالغة، ولما لحظ أبو تمام أن لفظة الدجى لعمومها وصلاحيتها في حالتي المجاز والحقيقة إلى أن تكون اسماً لليل كائناً ما كان احترس من ذلك بما جاء به التذييل حيث قال:

............... والليل أسود رقعة الجلباب

ليخلص من الاشتراك الحاصل من لفظة الدجى على انفرادها، وليتبين أنه أراد الليالي السود التي سمتها العرب بالدآرى، لا الليالي البيض، ولا غيرها من الليالي التي فيها وقت مضئ في الجملة فراراً من ليل لا يخلو من الأصوات والحركات، مبالغة في وصف القصيدة بالتنقيح المرضي، في الوقت المختار لذلك، وقد جمع الكتاب العزيز هذه المعاني وأتى بها في أوجز لفظ وأجزله حيث قال سبحانه " إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً " واعلم أن التهذيب لا شاهد له يخصه، لأنه وصف يعم

<<  <   >  >>