بين العلماء درجته، وتطير بين الفضلاء سمعته، ويقبل قوله في لفظ كل كلام ومعناه، وليحذر من أن يقف خاطره بسبب معاندة الزمان، وتواتر صروف الحدثان، وتعذر المكسب، وعز المطلب وتقدم الجهال، واختصاص الأرذال بالأموال، فيكون ذلك داعياً إلى ترك الاشتغال، وسبباً في فتور عزمه عن تحصيل العلوم، وذريعة لقعوده عن رياضة نفسه، واستعمال خاطره، فيلحق بالأخسرين أعمالاً، والمخطئين أفعالاً وأقوالاً، بل يكون اجتهاده في ذلك اجتهاد راغب في الكمال، شديد الأنفة من مساومة الجهال، عاشق في تزكية نفسه، مائلاً للتقدم بنفس العلم على أبناء جنسه، وما أحسن قول القائل طويل:
تعلم فليس المرء يولد عالماً ... وليس أخو علم كمن هو جاهل
فإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل
ولا بد للمجتهد من يوم تحمد فيه عاقبة اجتهاده، ويحصل فيه على مراده، وإن كان قصير الهمة مهين النفس، قد أوتي طبعاً في العمل سليماً، وذهناً مستقيماً، فظن أنه يستغني بذلك عن الاشتغال، ويبعد عم مماثلة الجهال، إدلالاً بطبعه، واتكالاً على حذقه، كأكثر شعراء زماننا وكتابه، والمنتظمين في سلك أرباب آدابه، حاشا من احتفل بالأدب احتفالاً أوجب لذوي الآداب، والانتفاع بهذا الكتاب، فلا يأنف من عرض ما يسمح به خاطره على من يحسن الظن بمعرفته، ويتحقق أن مرتبته في العلم فوق مرتبته، ولا تهمل ذلك فإن خطره عظيم، " وفوق كل ذي علم عليم "، هذا وإن كنت في ذلك كمن يصف الدواء ولا