يستعمله، ويأمر بالعرف ولا يمتثله، غير أني أنهج الطريق، وأحض على التوفيق، لتحصل لي مثوبة الدلالة، وأكسب أجر الهداية، فإن الدال على الخير كفاعله، والمحرض على العمل كعامله، وليعتمد الراغب في نظم الشعر، وإنشاء النثر في وقت العمل على وصية الإمام أبي تمام التي وعدت سالفاً بنشرها، وهذا أوان ذكرها، وهي ما أخبر به الثقة عن أبي عبادة البحتري الشاعر أنه قال:
كنت في حداثتي أروم الشعر، وكنت أرجع فيه إلى طبع سليم، ولم أكن وقفت على تسهيل مأخذه، ووجوه اقتضائه، حتى قصدت أبا تمام، وانقطعت إليه، واتكلت في تعريفه عليه، فكان أول ما قال لي: يا أبا عبادة: تخير الأوقات، وأنت قليل الهموم، وصفر من الغموم، واعلم أن العادة في الأوقات، إذا قصدت الإنسان تأليف شيء أو حفظه، قصد وقت السحر، وذلك أن النفس تكون قد أخذت حظها من الراحة، وقسطها من النوم، وخف عنها ثقل الغذاء، وصفاً من أكثر الأبخرة والأدخنة جسم الهواء، وسكنت الغمائم، ورقت النسائم، وتغنت الحمائم، وتغن بالشعر فإن الغناء مضماره الذي يجري فيه، واجتهد في إيضاح معانيه، فإن أردت النسيب فاجعل اللفظ رقيقاً، والمعنى رشيقاً، وأكثر فيه من بيان الصبابة وتوجع الكآبة، وقلق الأشواق، ولوعة الفراق، والتعلل باستنشاق النسائم، وغناء الحمائم، والبروق اللامعة، والنجوم الطالعة، والتبرم بالعذال والعواذل، والوقوف على الطلل الماحل، وإذا أخذت في مدح سيد ذي أياد فاشهر مناقبه، وأظهر مناسبه، وأبن معالمه، وشرف مقاومه،