للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأرهف من عزائمه، ورغب في مكارمه، وتقاص المعاني، واحذر المجهول منها، وإياك أن تشين شعرك بالعبارة الزرية، والألفاظ الوحشية، وناسب بين الألفاظ والمعاني في تأليف الكلام، وكن كأنك خياط يقدر الثياب على مقادير الأجسام، وإذا عارضك الضجر أرح نفسك، ولا تعمل إلا وأنت فارغ القلب، واجعل شهوتك لقول الشعر الذريعة إلى حسن نظمه، فإن الشهوة نعم المعين، وجملة الحال أن تعتبر شعرك بما سلف من أشعار الماضين، فما استحسن العلماء فاقصده، وما استقبحوه فاجتنبه ترشد، إن شاء الله تعالى.

فإن قيل: الذي أوردته قبل هذه الوصية في بيت أبي تمام الذي هو:

خذها ابنة الفكر المهذب في الدجى

البيت، وما فسرت به الدجى واختياره لوسط الليل دون طرفيه يناقض قوله في هذه الوصية: واعلم أن العادة في الأوقات إذا قصد الإنسان تأليف شيء أو حفظه، أن يختار وقت السحر.

قلت: المقصد في البيت غير المقصد في الوصية، فإن المقصد في البيت التنقيح، وفي الوصية العمل والحفظ، والتنقيح يحتاج إلى خلو الخاطر وتدقيق النظر، وغوص الفكر أكثر من وقت الحفظ والعمل، والله أعلم. وما رأيت ولا رويت مثل وصية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وصى بها كاتباً له يقول فيا: ألق دواتك، واجمع أداتك، وأرهف حدى قلمك إرهافاً، واحترس عند شقه احتراساً فإنك إن لم تتائم لسانه كدرت

<<  <   >  >>