هو ممن يصح أن يتمنى شيئاً، فكل ما جعله المتنبي لممدوحه، جعله ابن نباتة لشاعر ممدوحه، وهذا الأدب من قول الله سبحانه وتعالى على لسان إبراهيم عليه السلام:" الذي خلقني فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين " فأسند أفعال الخير كلها لله، وأسند فعل الشر لنفسه، حسن أدب مع ربه. صلى الله عليه وسلم.
ومثل ذلك قوله تعالى:" ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى " مقتضى الصناعة أن يؤتى بتجنيس الازدواج في صدر الآية، كما أتى به في عجزها، لكنه منع منه توخي التأديب والتهذيب في نظم الكلام، وذلك أنه لما كان الضمير الذي في " ليجزي " عائداً على الله سبحانه، وجب أن يعدل عن لفظ المعنى الخاص إلى ردفه، حتى لا تنسب السيئة لله تعالى، فقال سبحانه في موضع.. " بالسيئة "" بما علموا " فعوض عن تجنيس المزاوجة الإرداف، لما في الإرداف من حسن الأدب مع الله تعالى، ليعلمنا ذلك، ولما كان قوله تعالى " وجزاء سيئة سيئة مثلها " قد أمن فيه هذا المحذور، أتى الكلام فيه على مقتضى الصناعة، والله أعلم.
ومن أحسن ما وقع في هذا قوله تعالى:" ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار " لأنه سبحانه أدمج وهو أعلم في هذا الكلام