من المعنى، وما كنت أتوهم أن أحداً يقدر على المبالغة في هذا المعنى، حتى قرأت هذا الكتاب، ورمى به إلي وقال: هذا كتاب عمرو بن مسعدة إلينا، قال: فقرأته، فإذا فيه كتابي إلى أمير المؤمنين، ومن قبلي من قوداه وسائر أجناده في الانقياد والطاعة على أحسن ما تكون عليه طاعة جند تأخرت أرزاقهم، وانقياد كافة تراخت أعطياتهم، فاختلت لذلك أوالهم، والتاثت معه أمورهم، فقال: فلما قرأته قال لي: يا أحمد، إن استحساني هذا الكلام بعثني على أن أمرت للجند قبله بعطياتهم لسبعة أشهر، وأنا على مجازاة الكاتب بما يستحقه محله من صناعته، وروى أيضاً عن المأمون أنه أمر عمرو بن مسعدة الكاتب هذا أن يكتب لرجل يعني به إلى بعض العمل بالوصية عليه، وأن يختصر كتابه ما أمكنه حتى يكون ما يكتب به في سطر واحد، فكتب إليه عمرو بن مسعدة: كتابي إليك كتاب واثق بمن كتب إليه، معنى بمن كتب له، ولن يضيع بين الثقة والعناية حامله، إن شاء الله تعالى. وقد كان جعفر بن يحيى من تقدمه في هذه الصناعة يقول لكتابه: إن استطعتم أن يكون كلامكم كله مثل التوقيعات فافعلوا.
وأما قول قيس بن خارجة لما قيل له: ما عندك في حمالات داحس؟ فقال: عندي قرى كل نازل، ورضا كل ساخط، وخطبة من لدن تطلع الشمس إلى أن تغرب، آمر فيها بالتواصل، وأنهى عن التقاطع، فإن ذلك لم يخرجه مخرج المدح للإطالة المذمومة، لأن الإطالة المذمومة هي إطالة العبارة عن المعنى