ومن إيجاز الكتاب العزيز أيضاً قوله:" ولكم في القصاص حياة " لأنه قد أجمع النقاد على أن أبلغ كلام قيل في هذا المعنى قول القائل: " القتل أنفى للقتل " وإذا نظرت بين هذا الكلام وبين لفظ القرآن وجدت هذا الكلام ليس فيه من ضروب البديع سوى الإيجاز، مع كونه لم يخل من عيب، ووجدت لفظ القرآن قد جمع الآجام والإيضاح والإشارة والكناية والطباق وحسن البيان والإبداع، وسلم من العيب الذي جاء في ذلك الكلام.
فأما الإيجاز فلأن اللفظ المماثل من لفظ القرآن للأول هو قوله تعالى:" القصاص حياة " وهو عشرة أحرف، والأول أربعة عشر حرفاً، وأما الإيضاح فإن لفظة القصاص أوضحت المعنى المراد، إذ هو قتل مقيد، لا قتل مطلق، وأما الإشارة، ففي قوله سبحانه:" حياة " فإن هذه اللفظة أشارت إلى أن القتل الذي أوجبه العدل يكف القتل الذي يأتي به العدوان، وفي ذلك حياة الأحياء.
والكناية في قوله تعالى: القصاص فإنه كنى بهذه اللفظة عن الموت المستحق الذي يوجبه العدل.
وأما الطباق ففي قوله " القصاص حياة " لأن القصاص الموت، فكأنه سبحانه قال: الموت حياة، وهذا طباق معنوي. وأما حسن البيان، فكون المخاطب فهم المراد من هذا النظم من غير توقف، وأما الإبداع فلأن في كل لفظة من هذا الكلام عدة من المحاسن، وأما السلامة من العيوب