بالنسبة فلأن الكلام خلا عن التكرار الذي وقع في الكلام الأول، فإن قيل لا يعد التكرار الذي وقع في قول القائل:" القتل أنفى للقتل " عيباً لاختلاف المعنى قلت: لكن اللفظ إذا اختلف معناه واتحدت صيغته اتحاداً لا يعد تحسيناً وكان الكلام به معيباً، فهذا عيب لفظ الكلام الأول الذي سلم منه لفظ القرآن، وأما عيب المعنى فلأن القائل سمى الخاص باسم العام، فإن مطلق القتل صالح للقصاص ولغيره، كما أنه صالح للعدوان ولغيره، وهذه العبارة موجبة للبس المضاد لحسن البيان الذي هو خارج مخرج العدوان ولفظ القرآن مخلص للعدل.
وإذا وصلت في هذا الباب إلى قوله تعالى:" وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين " فإنه سبحانه أتى في هذه الآية الكريمة بأمرين ونهيين، وخبرين متضمنين بشارتين، في أسهل نظم، وأحسن لفظ، وأوجز عبارة، ولم يخرج الكلام عن الحقيقة في شيء من ذلك.
واعلم أن الإيجاز على ضربين: ضرب بسيط وضرب مختصر، ويكون البسيط مختصراً بالنسبة لغيره، فالبسيط كقصة يوسف عليه السلام من قوله:" نحن نقص عليك أحسن القصص " إلى آخر القصة، والمختصر