في وصف الحديث بإفراط الالتذاذ الذي يزهق حبه النفس، ثم فكر فيما يعرض من الملل بسبب، طول الحديث فاحترس عن تلك بقوله: إن طال لم يملل ثم رأى أنه متى اقتصر على وصفه بالحسن حالة الإطالة دون الإيجاز كان مقصراً، فقال: وإن هي أوجزت إلى آخر البيت، ثم أراد وصفه بميل النفوس إليه إما اضطراراً أو اختياراً فقال، في الميل الاضطراري: شرك العقول، فأخبر أنه يصيد العقول قنصاً، ثم قال في الميل الاختياري مقسماً له قسمين حاصرين في حالتي الريث والعجل كامل:
........ ونزهة ما مثلها ... للمطمئن وعقلة المستوفز
وليس للمختار حالة زائدة على هاتين الحالتين إما أن يكون مطمئناً، أو مستوفزاً، فإن كان مطمئنا كان هذا الحديث نزهته، وإن كان مستوفزاً كان عقلته، فلم يبق في هذا المعنى مقالاً لمن بعده، ولقد أحسن ابن مناذر في استقصائه معنى من معاني الغزل حيث قال طويل:
فوالله ما أدري أيغلبني الهوى ... إذا جحد جد البين أم أنا غلبه
فإن استطع أغلب وإن يغلب الهوى ... فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه
فإنه لما علم أنه متى اقتصر على البيت الأول لا يكون مستقصياً للمعنى أتى بتفصيل ما أجمله في البيت الأول بما جاء به في البيت الثاني، ليكون قد أتى على جميع ما يجب ذكره من المعنى الذي قصده: وإذا وصلت في هذا الباب إلى قول البحتري في صفة إنضاء الإبل خفيف: