وصلت إلى الغاية في الشعر، لأنه جمع مع الاستقصاء المبالغة والرمي على الترتيب، على مقتضى البلاغة، والتتميم في موضعين، في قوله: المعطفات، وقوله: مبرية والإيغال في القافية، وقد جاء في الكتاب العزيز من ذلك ما لا يلحق سبقاً، وهو قوله تعالى:" أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت " فانظر إلى استقصاء هذا المعنى حين لم يبق فيه بقية لأحد، وذلك أنه بعد قوله:" جنة من نخيل وأعناب " قال: " تجري من تحتها الأنهار " وكمل الوصف بقوله: " له فيها من كل الثمرات " فأتى بكل ما في الجنان ليشتد الأسف على إفسادها ثم قال " وأصابه الكبر " ثم استقصى المعنى الذي يوجب تعظيم المصاب بقوله بعد وصفه بالكبر " وله ذرية " ولم يقتصر على كونه له ذرية حتى قال: " ضعفاء " ثم ذكر استئصالها بالهلاك في أسرع وقت حيث قال: " فأصابها إعصار فيه نار " فلو اقتصر على ذكر الإعصار لكان كافياً، لكن لما علم الله سبحانه: " فيه نار ثم أخبر باحتراقها لاحتمال أن تكون النار ضعيفة لا يقوم إحراقها بإطفاء أنهارها وتجفيف كل أوراقها وثمارها، فأخبر بإحراقها احتراساً من ذلك،