حاصل بيتي أبي نواس أنك فوق ثنائنا الصالح عليك، وإن مدحنا غيرك كان له لفظ المدح ولك معناه، وهذا كله هو عين قول الخنساء:
وما بلغ المهدون للناس مدحة
لأن حاصل قولها إن مدح المادحين فيك أفضل من مدحهم للناس، وإن أطنبوا في مدح الناس هو قول أبي نواس في بيته الأول طويل:
فأنت كما نثني وفوق الذي نثني
وقصر أبو نواس عن لحاقها في الزيادة التي هي قولها: وإن أطنبوا، وقولها:" وما بلغ المهدون للناس " فكل هذه المبالغات قصر عنها أبو نواس، وأما قول أبي نواس في بيته الثاني " فأنت الذي نثني " هو عين قولها إلا الذي فيك أفضل فإن مفهومه أن كل من يهدي مدحاً لأحد من البشر له فيك فضل مما أهدى لغيرك، ووجه تقصير أبي نواس في هذا المعنى أنه جعل ممدوحه يمدح بالنية دون القول، وبالتأويل دون التصريح، والخنساء جعلت أخاها ممدوحاً من جميع الناس بالتصريح والمعنى بأفضل ما مدح به كل الناس، فبين المعنيين من البون ما تراه.
ومن هذا الباب ما يقع في التشبيه والإخبار وغيرهما بحيث يكون للمشبه أو المخبر عنه صفات فينفي بعضها ليثبت بعضها وينفي واحدة ليوجب أختها، أو يسلبها ويوجب غيرها، كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي عليه السلام " أما ترضى أن تكون مني